في سورة الناس، تأمرنا الآية الأولى بالتوجه للاستعاذة برب الناس ملك الناس وإله الناس من شر الوسواس الخناس. وهناك بيان لما يعنيه "من جنس الجن ومن ناس". يؤكد العلماء أنه ليس هناك تضارب بين كون هؤلاء الشياطين إمّا جنًا أو بشراً؛ فالآية تشير إلى وجود نوعين مختلفين لشياطين الوَسْوَسة: واحدة مصدرها الجن والأخرى منبعثة من البشر ذاته.
يقول الإمام الحسن البصري: إنها تعني شياطين مختلفة المصدر، حيث يقوم الشيطان الجن بإلقاء الأفكار الشريرة داخل أفئدة الأشخاص المستهدفين بينما يعمل الشيطان الانسوي بشكل مكشوف وصريح لتحقيق نفس الغرض. ويضيف قتادة رضي الله عنه قائلاً بأن لكل صنف منهما سمات خاصة به، إذ يوجد ضمن صفوف الجن والشياطين المنتمية للإنس أيضاً. وبالتالي فإن دعوة القرآن الكريم للعزل هي استجابة وحماية شاملة ضد كل أنواع تلك المؤثرات الضارة سواء كانت روحانياً أو مادياً بطبيعتها.
توضيح آخر قدمته آراء العلماء القدامى مثل ابن القيم وابن عثيمين يوضح كيف يمكن لهذه الكائنات المشابهة -أي كلا النوعين من الشياطن- تبادل المعلومات والتأثير والتوجيه نحو الخطيئة عبر مختلف الحدود كالحد الفاصل بين عالم الروح والجسد هنا على الأرض وخارجه كذلك! كما يشترك كلاهما باستخدام أساليب التزييف والإغواء لإغراء المرء باتباع مسارات غير مستقيمة وفقًا لأوامر رب العالمين سبحانه وتعالى. لذلك فالوعي بمصدر هذين الطرفين مهم لفهمهما بشكل أفضل ودعم الدعاء المقترن بهاتين الكلمتين الدالة عليهما.
وفي النهاية يبقى التأكيد بأن تدابير الحماية الوقائية تنطبق بلا تمييز تجاه جميع المتنوعات المتنوعات التي تخلق أجواء عدم الراحة الداخلية لدى مرتكب الذنب مستخدمة طرق عديدة لجذب انتباهه نحو المساوئ الاجتماعية والبشرية مما يستحق التنبيه والتقليل قدر المستطاع منها باستحضار ذكر الرحمن جل شأنه.