ابنتي العزيزة : جنَّة?..
أنا لا أعلم من تكونِين ولا كيف ستكونين، ولم ألتقِ أباكِ بعد، لكنني وددتُ أن أخبركِ، بكل ما أوتيت من إيجاز عن هذه السنةِ التاريخية التي عاشتها أمُّك الصغيرة يومًا، السنة التي ستكون الإجابة الصحيحة لكثير من أسئلة الدراسات الاجتماعية مستقبلاً.
أنا لا أعلم يا صغيرتي هل سأعيش زمنًا طويلًا، ولا أعلمُ هل ينتهي بي الزمانُ قبل أن أنجبك وأطلعك على هذا العالم الجميل، أنا لا أزكي نفسي ولا أزكيكِ، ولكن عاهدتُ الله أن تكونِي صالحة مُصلحة، وأن لا تكوني مجرد عابرة، فلا تخوني ثقتي بكِ، وساعديني لأفي بما عاهدتُ الله عليه.
حبيبتي:
عاشت أمكِ في سنة يتكرر رقماها، وتتكرر فيها مشاهدُ حُزنٍ مُريعة، بأنباءٍ متذبذبة عن قيام الحربِ العالمية الثالثة، مصحوبة بحرائق عظيمة جائعة تلتهم كل شيء في أستراليا، صور الكنغر والكوالا لا تزال عالقة في مخيلة ماما، كلما رأيت تلك النيران الصارخة أتجرع مرارةَ النهاية.
عزيزتي: "ربما تموتُ أمكِ وتولدين من بعدها"، ثمَّ فجأة لم يلقِ أحدٌ منا بالًا لكل ما سمعنا، فقد كان كما يقول القائلون: "أضغاثُ أقوال"، الحمدُ لله، على كل حال لم تقُم أيةُ حرب آنذاك، لكنها قامت في نفوسنا بعد حين.
فأثناء الهزَّة التي سكنت أنفسنا تلك الأيام، صُعقنا بوفاةِ والدنا جميعًا، قرة أعيننا وملاذنا، قابوسنا، هل أطلعك على دوي الخبر في أرجاء عمان؟ بل وأرجاء العالم؟ ربما تتسائلين عن مقدار الحب الذي نُكنه له، لكنك ستعلمين ذلك بعد أن تبحثي في كُتب التاريخ.