في عمق كتاب الله العزيز، نجد في سور البقرة وآل عمران ذات الآية المؤثرة التي تحكي عن واقع قوم من بني إسرائيل -وهو الواقع الذي فرضته العقوبات الربانية-. جاءت الآية لتوضح حالة الذل والمسكنة التي لحقت بهم بسبب جرائم عديدة ارتكبوها كالاستهانة بالآيات الإلهية وتكذيب الرسل وقتلهم ظلماً وعدواناً.
وتزداد الوضوح عندما نشرح مفاهيم المصطلحين الرئيسيين هنا: "الذلة"، والتي تشير إلى الاستكانة والخضوع للآخرين بعد فقدان القدرة على الدفاع والعزة. أما "المسكنة"، فهي تحمل عدة دلالات قد تكون الفقرة أو الحالة المتدنية اجتماعياً، وتعبر كذلك عن ضعف الاقتصاد مما يؤدي لصغر الحركة وانخفاض القيمة أمام الآخرين. وحسب بعض المفسرين، فإن المسكنة يمكن أن تشمل أيضا دفع الجزية تحت الإكراه نتيجة للإذلال الدائم والمستدام.
ويذكر السياق التاريخي لهذه العقوبات كيف أدت أعمال بني إسرائيل المسيئة مثل تكذيب الحقائق الإلهية وقتل رسل الله إلى غضب رباني شامل عليهم. وهذا الغضب لم يكن مجرد شعور فاتر، بل تجسد بصورة واضحة عبر وضع علامات التعاسة والإذلال والتبعية عليهم، وذلك استجابة لعصيانهم المتكرر واحتقارهم لأوامره عز وجل.
إن موقع هاتين الآيتين داخل سورتيهما له أهميته الخاصة؛ إذ تأتي في سورة البقرة كإشارة إلى اتجاه المشركين نحو الطريق الخطأ، بينما تقترن بالسياقات الانتقامية في سورة آل عمران، مؤكدة بذلك عقوبة عدم الطاعة والتحدي المستمر لقراراته سبحانه.
وبذلك، تصبح هذه الآيات أكثر من كونها وصفاً تاريخياً لقضية محددة فقط، بل تناجي البشر جميعاً بأن عواقب المعاصي الجسام لن تمر مرور الكرام وأن الرحمة الإلهية موجهة لمن يسلك طريق التصحيح والرجوع إليه جل شأنه.