بعد نزول آدم عليه السلام إلى الأرض، فرض الله تعالى على جميع مخلوقاته احترام الخليفة الجديد لعباده. ومع ذلك، امتنع أحد الملائكة - والذي يعرف اليوم بإبليس - عن طاعة الأمر الإلهي بالسجود لآدم. هذه الواقعة شكلت محور جدلية طويلة بين العلماء حول هوية إبليس الفعلية؛ هل هو من جنس الملائكة كما يقول الكثير منهم مُستندين إلى الآيات القرآنية التي تصفه ضمن مجموعة الملائكة ثم تستثنيها منه؟ أم أنه فعلاً ينتمي لجنس آخر غير الملائكة كما يشير بعض المفسرين الآخرين استناداً إلى آيات أخرى تبدو واضحة في تحديد جنسه كونه "مني الجِن".
الرأي الأول: إبليس من الملائكة حسب فريق من المفسرين
يشدد هؤلاء القائمون بهذا الرأي على عدة أدلة مستمدة مباشرة من النصوص القرانية نفسها. أولها تلك الآيات التي تجمع إبليس بالملائكة قبل استثنائه منها مباشرةً مثل قوله تعالى:" فسجد الملائكة كلٌّ وهم الصفوف، إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين" [البقرة:34]. وعلى أساس هذا الاستثناء، يقترح هؤلاء أن إبليس واحد ممن كانوا ضمن صفوف الملائكة ولكنه اختار تحدي أمر الرب وخالف نهجه بالتالي خرج عنه. يستشهد البعض أيضًا بصفةٍ مشتركة بينهما وهي القدرة على عدم المعصية والتزم الأوامر دائما، إذ تشير العديد من سور الكتاب المقدس إلى ملاكيتها التامة ("لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"). بينما أكد البعض الآخر أن الفرق يكمن فقط فيما خلقت منه كل واحدة منهما، فالجن مختلف خلقتهم عن نور الملائكة ولكنها مازالت جزءا منها بحق كونها تحت سيادتها وتخضع لأمرها. لكن يبقى الجزء الغامض هنا هو كيف حصل انقلاب عقيدة إبليس ضد حكم الله رغم مكانته المتقدم نسبياً وسط زملائه؟!
وفي سبيل شرح ذلك يتصور بعض الفقهاء أنه بعد بلوغ مستوى عال جدا داخل عالم الملكوت المقرب جدًا لمقامات القداسة ورؤية جمال أسرار الخالق، انبلجت شهوات نفسية متراكمه دفعت بموجاتها لإبداع صورة ذاتية مغايرة لما هي موجودة بالفعل مما دفع باستبعاد ماهيته الأصلية كمخلوقات مطيعه لله سبحانه وتعالى. وهكذا تعرض مركز قيادي خاص بسماء الدنيا لرجل بارز ومتميز نتيجة تفرده بالقوة والمعارف المكتسبة عبر سنوات خدمتها المتواصلة تحت سقف رحمته. وبعد رؤية الروعة التي احتلها الإنسان حديث الولادة وفق ذاته الجديدة، تجلى تصميمه بصنع شركه الخاص بدائرة خالقه ليبعد سلطانة الإنساني فوق العالم السفلي حسب تقديراته الذاتيه الظالمه.
الرأي الثاني : إبليس ليس ملكا ، وإنما انه ينتمى للجِن
بينما يأخذ اتجاه التفكير الأخرى جانب مختلفة تمام الاختلاف بناء علي ظواهرtextual لقسم آيات قرآنية بحسب رؤيتة الخاصة .حيث يعتبر هذه المنظرون الأقوال الموافق لهم بان التشبيه الواقع بإبليس بأنه نوع من أنواع الجِن وليس مجرد مشابه ثقافي لذلك الوصف وحده دليل واضح لدينا . ويطبقون منطاق فلسفي عميق هنا قائلين إذا كان هناك حقائق ماديه تنفصل بشكل ثابت عن عناصر اخري فإن التمييز يحدث دوما فى التعامل مع كل حالة بنوعاواتها المختلفة حتى عندما نستخدم مفردات لغوية قد تتداخل مصطلحاتها أحيانًا. فكما ذكر البيان الكاشف للأوضاع:" إلا إبليس كان من الجِنفسق عن أمر ربه"، فهو بذلك يتميز بطبيعة ثديته سواء كانت طبيعية أم روحانية فلابد وان ترتبط تسميته بجنس مختاره خاصة بها والتي ظهر عليها أثناء تعاند قدرة خالق البشر والعناصر المتحكمة بهم منذ القدم!
وبذلك نكون أمام وجهتي نظر شرعيتين متعارضة ومتكاملتان لنفس الوقت حول نقطة جوهره شخصية تاريخية مشهورة للغاية لها تأثير واسع على مجريات الحياة الاجتماعية للإنسان خلال مرحلة تواجدنا حاليًا وسابقًا للأزمان التالية أيضا...