مدينة القيروان، الواقعة في تونس، تعتبر واحدة من أبرز المدن الإسلامية القديمة والتي تحمل بين أحضانها تاريخاً غنياً ومتنوعاً. هذه المدينة المباركة هي عمل من أعمال الصحابي الجليل عقبة بن نافع رضي الله عنه. في العام 670 ميلادية، أمر الخليفة عبد الملك بن مروان بإرسال عقبة بن نافع لإقامة قاعدة عسكرية استراتيجية في منطقة المغرب الأفريقية شمالي أفريقيا، وذلك بعد هزيمة الدولة البيزنطية المحلية هناك. وكانت اختيار القيروان تحديداً بسبب الموقع الممتاز لها وسط تحديات بيئية مختلفة مثل تهديد المناطق الجبلية الشمالية والتهديد المستمر من البحر الشرقي الذي يحيط بها.
بفضل حكم عمرانها وحكمة تخطيطها، تمكن عقبة بن نافع من إنشاء واحدة من أول وأشهر المدارس الدينية والثقافية في العالم الإسلامي؛ مدرسة المالكية. وقد أثرت هذه المؤسسة التعليمية بشكل كبير ليس فقط على السكان المحليين بل وعلى الطلاب الذين جاؤوا من مختلف أنحاء الإقليم كله. تحت مظلة الأمراء الأغالبة فيما بعد، تطورت القيروان لتصبح مركزاً ثقافياً وعلمياً رائداً في القرون التالية، خاصة خلال فترة الحكم الفاطمي والزيري.
بالإضافة إلى دورها التاريخي والعسكري الكبير، فإن القيروان مشهورة أيضاً بأنماط الحياة التقليدية والحرف اليدوية الشهيرة مثل صناعة السجاد الذي يتمتع بمكانة عالية عالمياً. أما بالنسبة لأهم معالمها، فتشمل المساجد الجميلة والكنائس والقصور القديمة مثل الجامع العظيم وضريح Sidi Saleh وغيرهما الكثير مما يجسد جمال الهندسة العربية والإسلامية.
وفي ظل كل تلك الروائع الثقافية والتاريخية، تبقى القيروان نموذجاً حيَّا للإبداع الإنساني وطاقة الإنسان نحو الحضارة والبقاء عبر الزمان.