تُعدُّ مدينة أريحا، الواقعة شرق الضفة الغربية بفلسطين، واحدة من أقدم المدن المأهولة في تاريخ البشرية، إذ يعود تاريخ الاستيطان فيها إلى فترة امتدت ما بين أحد عشر ألفًا وعشرة آلاف سنة قبل الميلاد. تتميز المدينة بموقعها الاستراتيجي على مشارف صحراء سيناء وبحر الميت، مما جعل منها نقطة عبور حيوية عبر التاريخ. كانت أولى بنايات أريحا مبنية باستخدام الطوب اللبن، محاطة بخندق عميق ومثير للإعجاب، طول عرضه نحو سبعة وستين مترًا، وعمق متر ونصف تقريبًا، منحوتٌ خصيصًا في الصخر الطبيعي لها.
إن دراسة الطبقات الأثرية لأريحا تكشف لنا حقبات متتابعة ومتنوعة من التسلسل الزمني لإنسان المنطقة. بدءًا من فترات ما قبل التاريخ كالقرنين الثاني والعاشر قبل الميلاد، حينما كانت القرية الأولى ترتفع قرب عين سلطان الشهيرة حاليًا. خلال ذلك الوقت، ظهر مجتمع جديد له نهجه الخاص في الحياة؛ فقد بني مساكن ثابتة وظاهرة هندسية فريدة للأرض آنذاك - وهي قرى ذات بيوت مدورة صغيرة نسبياً وغرف نوم مكشوفة فوق سطح الأرض مباشرةً. أما بالنسبة للتراث الديني القديم لهذه المدينة المباركة فهي ذكرت بشكل بارز ضمن كتاب سفر التكوين بتكوين الكتاب المقدس تحت اسم "إيري"، كما تشير الوثائق القديمة الأخرى لباحثين كلاسيكيين مثل المؤرخ اليوناني اليوبولوس(الأعمال الاثنتين والخمسين).
وقد مرت أريحا بعدد كبير من الحضارات المتلاحقة منذ القدم مرورًا بالعصور الضاربة بجذورها عميقًا بالألفية الخامسة قبل الميلاد عبر عصر الدولتين الأموري والبابلية وبداية الحكم الفرعوني وانتهاءً بالحكم الروماني ثم البيزنطي ثم الإسلامي والإقطاعي لاحقًا حتى يومنا هذا! ومع كل غزو خارجي حلّ بها جاء معه تطورات هائلة على مستوى العمران والتخطيط العام وإنشاء المدارس والمعابد العامة وغيرها الكثير...حتى أنها اشتهرت كوجهة رئيسية للسائحين اليوم نظرا لقدسيته ومنظره الخلاب وسط الصحراء والمنتجعات الصحية أيضًا. لذلك يمكن اعتبار 'أريحا' ليس مجرد مكان بل قصة حياة تتغلغل جذوره بجذور الأرض نفسها!