في سياق العلوم الاجتماعية تحديدًا وفي مجالات الاقتصاد بشكل خاص، نجد مصطلحين متداخلين ولكنهما مختلفان تمامًا وهما "الاقتصاد الموضوعي" و"الاقتصاد المعياري". كلا المصطلحين يشيران إلى جانب مهم من جوانب النظرية الاقتصادية، لكنهما يقدمان وجهات نظر مختلفة حول كيفية عمل النظام الاقتصادي وكيف يمكن تحسينه.
الاقتصاد الموضوعي: الواقع كما هو
يمثل الاقتصاد الموضوعي الجانب الوصفي للنظام الاقتصادي. هذا النهج ينظر إلى الأوضاع الاقتصادية الحالية بناءً على البيانات والأرقام. إنه يصف كيف يتم استخدام الموارد، كيف تتدفق السلع والخدمات عبر السوق، وما هي القرارات التي يقوم بها الأفراد والشركات والمؤسسات الحكومية. الهدف الرئيسي هنا هو وصف وتفسير العمليات الاقتصادية القائمة بدقة وبشكل محايد قدر الإمكان.
مثلاً، قد يستخدم اقتصاديًا موضوعيًا مؤشرات مثل معدل البطالة، نسبة الإنفاق الاستهلاكي، ودورة دورة الأعمال لوصف حالة الاقتصاد الحالي وتحديد الاتجاهات المستقبلية المتوقعة. ولكن بدون تقديم توصيات لتحسين هذه الظروف.
الاقتصاد المعياري: الرؤية المثلى للأداء الاقتصادي
على الجانب الآخر، يأخذ الاقتصاد المعياري وجهة نظر أكثر استراتيجية. فهو يسعى لتقييم أداء النظام الاقتصادي وتحليل ما إذا كان يعمل بالطريقة الأمثل أم لا. إن هدف الاقتصاديين المعياريين ليس فقط وصف الوضع الراهن ولكن أيضًا مقارنته بمجموعة من المعايير أو الأهداف المثالية.
تُستخدم نماذج الرياضيات والقوانين الفلسفية لدراسة مدى فعالية السياسات المختلفة والتوصية بالتغييرات اللازمة لتحقيق غايات اجتماعية واقتصادية محددة مسبقا. على سبيل المثال، ربما يقترح اقتصاديًا معيارياً سياسات للحد من عدم المساواة الدخل أو زيادة الكفاءة العامة للاقتصاد.
الاختلاف الجوهري بين الاثنين: وصفي مقابل توجيهي
العامل الأكثر أهمية عند التفريق بين الاقتصاد الموضوعي والاقتصاد المعياري يكمن فيما إذا كانت الدراسة توفر صورة للعالم الحالي ("ووصفت") أو تقدم اقتراحات لكيفية تحسين العالم ("تم تشكيلها"). بينما يركز أول الأمر على جمع البيانات والاستنتاج منها، فإن الأخير يهتم باستخدام تلك الأدلة لاتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية التي يجب اتخاذها للمضي قدمًا نحو مجتمع أفضل وأكثر عدلا.
إن اقتصاديات كلتا الطريقتين ضرورية لفهم ديناميكيات الاقتصاد وسلوك البشر ضمن بيئة تجارية وعمل. فبينما يساعدنا أحد منهجيّان على رؤية الصورة الأكبر والعلاقات الداخلية لكل جزء من آلية العمل الواحدة، يؤكد الاخر على دور الخيارات الشخصية والجماعية في تشكيل نتائج المجتمع الكبير ككل - وهو أمر حيوي لوضع السياسات الناجحة والحكومات القادرة على التعاطف مع احتياجات مواطنيها وضمان تنفيذ قوانين عادلة ومنصفة بما يحقق صالح الجميع وليس لأقلية مختارة فقط!