انقطاع التوازن العالمي: عبور المضيق الغامض

بينما يتلاشى تأثير الولايات المتحدة عالمياً، يدخل العالم حقبة حيث ليس فقط الاستبدال بل إعادة البناء.

ومع بروز الصين وروسيا كمؤثِرتَين رئيسيتَين، يقع النظام السياسي الحالي على نقطة اشتعال.

لكن إذا نظرنا أبعد عن هذا المشهد الناشئ، فقد نواجه عالماً مليئاً بالأطر القانونية غير المكتوبة وغير المرئية والتي تحكم ديناميكيات القوى الجديدة.

في حين يتم التركيز كثيرًا على الاختلافات والصراعات السياسية المفتوحة، هناك قضية أخرى أقل ذكراً ولكنها ذات أهمية لا تقل عنها: وهو وجود مساحة رمادية واسعة ومتغيرة باستمرار ضمن شبكة الدول المُحدَّثة.

هذه المنطقة، التي يمكن تسميتها بـ «المضيق الغامض»، تشهد خلق هياكل دولية يتم تحديد حدودها وقواعد اللعبة فيها بناءً على عقود سرية واتصالات خفية وبنية اقتصادية تربط بين اللاعبين الرئيسيين.

وتتجلى هذه الظاهرة أيضًا عند النظر بتمعن أكبر في التوتر الذي يعيشه الوطن العربي تجاه تركيزه المزدوج حول نهضة تكنولوجية وارتباكه الداخلي بشأن هويته الدينية والثقافية.

فالاندماج العلماني والعلاقة مع إسرائيل ليست هي المسألة الوحيدة المثارة؛ إذ يقف خلفهما تساؤلات جذرية حول روحانية الإنسان وجذور ثقافته الإسلامية الأصيلة.

وفي ظل هذا الحراك الاقتصادي الهادر وثورة المعلومات، يصعب معرفة مدى ارتباط الانسجام الاجتماعي بمبادئ التدينه المؤثرة.

وهكذا تبدأ مسارات متنوعة لمستقبل الشرق الأوسط بالتبلور خارج الحدود الرسمية للدول وغرف المجلس النيابي.

وفي المقابل، تأتي موضوع الذكاء الاصطناعي كحادثة بارزة بهذا السياق: فهو يساهم بدرجات متفاوتة باتجاه تشكيل واقع حضاري جديد يحركه الذكاء الآلي وليس العاطفة الشخصية.

وإن كان بعض الناس يولونه مفعولا خارقا ويخشونه الآخرون بشدة، فإن حقيقة الأمر أنه يأخذ مكانه ضمن نظام دقيق يتزايد فيه الخلط بين القدرات البشرية وطموحات الآلات.

وما يعززه اقتراح حرفائه بأنه سيحل محل الفرد ذاته خلافٌ עקרוני منذ ولادته الأولى لمنظومة أخلاقنا ونطاق حكمنا الخاص بنا.

لذلك فإن النقاط الثلاث السابقة — تغيير الموازين في العلاقات الدولية واكتشاف الحلول المتعارضة لهويتنا الثقافية وشغف البحث عن آليات غير معروفة للتحكم بالحياة نفسها — تؤشر لحالة انتقال فريدة تحتاج لفهم عميق لكيفيه العمل بها واستثمارها لصالح الجميع بلا استثناء.

ولا شيء عنوان أفضل لما يحدث سواه تلك الصورة للرحلة المغامرة صعود وخفض بالمضيق الغام