الثقافات ليست سوى هياكل واهية تنهار تحت وطأة الطموحات السياسية؛ فهي قماش هش لا يصمد أمام رياح التلاعب بالسلطة.

إن الاعتقاد بأن الثقافة يمكن أن تشكل حصنا ضد الفساد ليس سوى وهْم جميل يخدر النفوس ويجرّها نحو اليأس والإحباط.

وحتى لو افترضنا وجود قوانين صارمة ومنصفة، فإنها سرعان ما تتحول إلى أدوات بيد من يستغلون المناصب لتحقيق أجندتهم الخاصة والاستئثار بالسلطة والنفوذ.

لذلك فلنتجاوز أحلامنا الزائفة بشأن قوة الثقافة ولنركن إلى الواقع المرير الذي يحتاج منا إلى العمل الجاد لهدم تلك الأنظمة المريضة والتي تسمح لهذه الطبقة الحاكمة بالتعديل والتزوير حسب هواها ورغباتها الشخصية.

فلا غنى عن المواجهة الحازمة والعمل الدؤوب لإحداث التحولات الجذرية اللازمة لبناء مستقبل أفضل وأكثر عدالة للجميع.

وهكذا يتضح لنا جليا أنه بغض النظر عما إذا كنا نواجه نظاما فاسدا للغاية أو نسعى للإصلاح الجزئي لهذا النظام، إلا أنها جميعها خطوات غير مجدية ولا تؤتي ثمارها لأن المشكلة تكمن أساسا في بنية النظام ذاتها وفي طريقة عمله منذ البداية.

فالإصلاحات الجزئية ليست سوى مسكنات مؤقتة تخفي الألم لفترة قصيرة قبل أن يعود المرض أقوى مما سبق.

وبالتالي، يجب علينا أن نفكر خارج الصندوق وأن نطرح سؤالا أكثر جذرية وهو: هل يمكن حقا تحقيق أي تقدم مستدام ضمن حدود هذا الهيكل الحالي؟

ربما حانت ساعة ضرورية للتفكير فيما إذا كان هناك حاجة ملحة لبناء نظام مختلف تمام الاختلاف يقوم على أسس متينة وقيم راسخة مثل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان واحترام الآخر.

.

.

إلخ.

وهذا يعني أيضا استعداد المجتمع لقبول تحديات كبيرة وتكاليف باهظة قد تواجهه أثناء عملية التخلص التدريجي ممن نماذج الحكم التقليدية واستبداله بنماذج حديثة مبنية على الشفافية والحوار المجتمعي الحر وبمشاركة فعلية لكل شرائح الشعب وصوت كل فرد فيه.

أخيرا وليس آخراً، تعد القضية الأكثر أهميتها المرتبطة ارتباط وثيق بموضوع تغير الأنظمة والقضاء عليها تماما هي قضية "التغيير الداخلي".

إذ يتعين التأكد من أننا قادرون بالفعل على تقبل مفهوم تغيير جذور المشكلات وعدم الاكتفاء بـ"ترميم سطحية"، بالإضافة للتأمل العميق داخل الذوات لمعرفة مدى جاهزيتنا لاستيعاب تبعات الخيارات المختلفة المطروحة لدينا سواء أبقينا الوضع كما عليه أو قررنا اتخاذ إجراءات جوهرية جريئة للتغيير.

إن

1 Commenti