هل تسعى التقنية لهدم الهوية البشرية؟

مع تقدم الثورة التكنولوجية، تتغير حياتنا بوتيرة غير مسبوقة.

بينما قد ينظر البعض إليها باعتبارها خطوة نحو التقدم، إلا أنها تحمل أيضًا تهديدات عميقة لجوانب أساسية من وجودنا الإنساني.

فهل ستؤدي هذه الثورات حقًا لإعادة تشكيل جوهر كياننا وهويتنا الجماعية كما اقترح بعض المفكرين؟

النية مقابل الفعل الآلي

عند مناقشة القدرة على امتلاك الذكاء الاصطناعي "للنية"، فإن السؤال ليس فقط فيما إذا كان بإمكان الآلات الشعور بالنوايا الداخلية، ولكنه أيضًا يتعلق بتأثير ذلك علينا كأشخاص.

فعلى سبيل المثال، عندما يقوم نظام برمجيم بتقديم توصيات منتجات مبنية على بيانات المستخدمين، فهو يعمل وفق خوارزميات ثابتة – إنه لا يختار بحرية ولا يفكر كما نفعل.

ومع ذلك، قد تؤثر تلك القرارات التي يتخذها النظام على اختياراتنا وقراراتنا، وبالتالي تشكل جوانب مهمة من سلوكنا وشخصيتنا.

وهذا يشير إلى أنه رغم عدم امتلاكه للنية كما نعرفها، إلا أن تأثيره العميق يجعل الأمر يستحق دراسة عواقب اختلال التوازن الناتج عنه.

بالعودة للفكرة الرئيسية حول إعادة تشكيل الهوية الاجتماعية، فالتحولات الجذرية التي تحدث بسبب الاعتماد المكثف على الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنتجات الرقمية قد تغير بالفعل الطريقة التي ننظر بها لأنفسنا ولعالمنا.

فقد نشهد تغيرا في القيم المجتمعية التقليدية وفي مفهوم الانتماء والهوية الشخصية.

ولهذا السبب تحديدًا تحتاج المجتمعات الحديثة لوضع سياسات وأنظمة صارمة تراقب وتقنن استخدام هذه الأدوات القوية بحيث تحقق أفضل درجات التكامل بين فوائدها وعدم السماح لها بالسيطرة علي مسار النمو الطبيعي للأجيال القادمة.

وفي النهاية، بينما تبدو العديد من مزايا الرقمنة واضحة وجلية، إلا أن مخاطرها تستدعي التأمل الحكيم والدقيق لاتخاذ خطوات مدروسة بشأن طريقة التعامل مع هذا النوع الجديد من الثورات والذي يعد الأول منذ عصر الصناعة.

فالعبرة ليست فقط في ما تكشف عنه من فرص، وإنما أيضا فيما تخفيه خلف ستار رنينه المغري.