هل تسعى الحداثة للتجاوز أم الهدم؟

التطور التقني ليس سوى جانب واحد لمعركة متعدِّدة الجبهات تخوضُها الإنسانيَّة منذ القدم.

فالـ"موديلات"، سواء كانت وحداتٍ أساسية للمُنتجات الصناعيّة أو نماذج ذهنية لفهم النفس والعالم، هي أدواتٌ لنحت الظروف القائمة وتوجيه مسار التاريخ.

وفي حين قد تبدو عملية الشروع بتحليل محرِّكات صغيرة أو فك ارتباط الكواكب بالنفس خطواتٍ بعيدة عن عالم السياسة والاقتصاد، إلّا أنّ جوهرهما مشترك: البحث عمَّا يحكم التشغيل ويحدد المصائر.

فلِم لا ننظر إليهما كمحاولة لإعادة كتابة قانون الكون الخاص بنا؟

ربما ستتفاجأون بأن هذا القانون نفسه يطبَّق اليوم عبر الخطوط الافتراضيَّة لعصرنا الحديث.

.

.

حيث أصبح لدينا "محركات بيانات" تدفع عجلة الزمن الرقمي بسرعة فائقة، ونواجه ذات الأسئلة حول الحرية والاستعباد المفروض عليهما بحجة التقدم والازدهار.

وعندما نتحدث عن "العولمة" وعن "شباب الثورات"، فلنعترف بأن الجميع يقفون أمام مرآة واحدة تعكس ذات الإنسان المتصارع داخليا والخاضع لقوى خارجية مؤثرة بشدة - سواء أكان ذلك بسبب المعتقدات الدينيَّة أم الديناميكيات العالميَّة الجديدة التي فرضتها وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي بلا حدود جغرافيَّة ولا زمنيَّة.

وإذا كان البعض يعتبر المال الساخن كفرصة سانحة لبناء مستقبل أفضل، فعليه أولا فهم ديناميكيته وتقلباته المؤقتة قبل استخدامها كورقة رابحة.

أما بالنسبة للأخلاق، فهي ليست فقط مجموعة قوانين مكتوبة، بل مبدأ حي ورئيسي لصحَّة أي مجتمع مهما بلغ تقدمه ماديا وفكريا.

فعلى الرغم من وجود اختلافات ثقافية وسياسية كبيرة جدًا، تبقى القيم الإنسانية المشتركة كالصدق والأمانة والاحترام المتبادل عناصر ضرورية لاستدامتها واستقراريتها.

وفي النهاية، دعونا نفكر جادا بشأن هذا السؤال: كيف سنوازن بين الحاجة الملحة للتقدم العلمي وبين التأثير العميق الذي تركته علينا هذه التحولات الجذرية لحياتنا؟

.

قد يكون الجواب مخبئا وراء فهم أعمق للعلاقات السببية بين مكوّنات كون حياتنا وجذور تصرفات البشر المختلفة والتي تتداخل جميعها بشكل وثيق ومنظم ضمن شبكات اجتماعية اقتصادية وسياسية معقدة ومتغيرة باستمرار.

إنها مهمتنا الجماعية لكشف الغطاء عنها ومحاولة تغيير الواقع للأفضل دائماً.

#لرؤية