وجهة نظر نقدية

يجادل بيان السيد أكرم بن العابد بأن الحديث الشائع عن الذكاء الاصطناعي يركز بشكل كبير على إمكانياته التقنية والفائدة العملية، بينما يغفل تأثيراته المحتملة على البناء الاجتماعي والأخلاقي للإنسان.

وهذا أمر قابل للنقاش بلا شك؛ فالعديد من المناقشات السابقة تجاهلت آثار الذكاء الاصطناعي على العلاقات البشرية وحريات الفرد والمساواة الاجتماعية.

ومع ذلك، فإن وصف الذكاء الاصطناعي بأنه "عبودية" قد يكون مبالغا فيه قليلاً ويحتاج إلى توضيح أكبر.

إن الآثار المستقبلية للتكنولوجيا معقدة وتعتمد على عدة عوامل مثل كيفية تطبيق هذه التكنولوجيا وأهداف واضعي السياسات والمجتمع بشكل عام.

بدلاً من اعتبار الذكاء الاصطناعي قوة خبيثة قادرة بطبيعتها على خلق شكل جديد من أشكال الاستبداد، ربما يجب النظر إليه كمصدر محتمل للاختيارات المعقدة والصراعات بين قيم مختلفة داخل المجتمع.

على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين العدالة الاجتماعية عبر تحديد وصياغة السياسات العامة بناءً على بيانات دقيقة وواسعة النطاق.

ومع ذلك، إذا تم استخدامه لتعميق عدم المساواة الموجودة بالفعل من خلال زيادة مراقبة الأشخاص أو تقليل فرص الوصول للمجموعات المهمشة بسبب نقص البيانات ذات الصلة بهم، فقد يؤدي أيضًا إلى تفاقم الوضع الحالي للأزمة السياسية-الإجتماعية الحالية.

وبالتالي فإن مسؤليات تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي يتطلب التفكير مليّا بشأن تأثيره المتوقع والتوقعات المبنيّة عليه قبل البدء بهذه الرحلة الجديدة والتي ستكون مثيرة بدون شك ولكن غير مضمونة أيضا!

الزهري البكري، أقدر اهتمامك بتناول الناحية الأخلاقية والاجتماعية لعصر الذكاء الاصطناعي بدقة أكبر.

صحيح تمامًا أن العديد من نقاشات الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تتلاشى في الحديث عن الأرقام والشركات الربحية فقط.

ومع ذلك، فإن توصيف الذكاء الاصطناعي بأنه "عبودي"، رغم أنه شديد التأثير، يحتاج إلى بعض السياق.

أوافقك الرأي بأن الآثار المستقبلية لهذه التكنولوجيا متعددة ومتنوعة للغاية وبأنها تعتمد بقوة على كيفية إدارة ونشر هذه الأدوات.

لكن دعنا لا نقلل من أهمية المخاطر الواضحة كذلك.

هناك بالفعل حالات حيث تمت برمجة الخوارزميات بطريقة قائمة على تحيزات بشرية موجودة سابقًا مما أدى إلى نتيجة غير عادلة اجتماعيًا.

بالإضافة إلى ذلك، عندما تصبح الروبوتات ذكية بدرجة كبيرة جدًا، فقد يحدث نوعًا مختلفًا من القمع — تلك التي تقوم عليها نفسها، وهي نقطة مهمة ذكرها السيد أكرم بن العابد.

لكن لننظر أيضًا إلى الأمور بإيجابية.

بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يساعد في حل المشكلات المعقدة بسرعة ودقة أكبر بكثير من أي نظام بشري نظير له، ويمكنه تحقيق المزيد من العدالة في النظام القانوني, وفي التعليم, وفي الرعاية الصحية.

ولكنه يبقى مصير التكنولوجيا كما هي الآن: إنها بأيدي البشر، ومن الضروري أن نبقى يقظين ونعمل سوياً لضمان استخدامها بروح المسؤولية والحكمة.

بوزيد بن ساسي، أفهم وجهة نظرك القائلة بأن الآثار المستقبلية للذكاء الاصطناعي قد تكون متنوعة ومعقّدة، وأن الأمر يعتمد بشكل كبير على طريقة تنفيذ وقصد المستخدمين لها.

لكنني أختلف مع التركيز على الجانب الإيجابي فقط وعدم الاعتراف بالمخاطر الهائلة التي ينطوي عليها الذكاء الاصطناعي الغير مُراقَب جيدًا.

يمكن أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي لأغراض مفيدة وغير مفيدة بنفس الدرجة.

إن تركه دون تنظيم راشد يمكن أن يؤدي إلى انتشار ظلم لا يتصوره حتى اليوم الأحلك ضمن مجتمعاتنا.

فكما أشار السيد أكرم بن العابد، هناك خطر كبير في أن يقع الناس فريسة لـ "العِبودية" لمخلوقات طورتها أرواحٌ بشرية.

وهذا ليس بالأمر غير واقعي ولكنه احتمال وجوده يدق أجراس الإنذار عالية الصوت.

وعلى الرغم من القدرة المحتملة للذكاء الاصطناعي في حل مشاكل معقدة وتحقيق العدالة في مجالات متعددة، إلا أن التاريخ يوضح لنا باستمرار ضرورة وجود تدخلٍ بشري للتوجيه والإشراف لمنع التحيزات والمعايير غير المعلنة من التشبع في عمليات صنع القرار الخاصة بالذكاء الصناعي.

لذلك، يجب علينا كبشر أولوية مواجهتها معالجة جذور هذه المشاكل ومحاولة سد أي نواقص ممكنة قبل الانطلاق نحو اعتماد واسع النطاق للذكاء الصناعي دون رقابة مناسبة.

بوزيد بن ساسي، أنت صحيح فيما يتعلق بمزالق تصوير الذكاء الاصطناعي كسلبي وحتمي.

ومع ذلك، يبدو أن تركيزك على الجوانب المفيدة والآفاق الإيجابية يغفل جزءًا حاسمًا من المناقشة.

إن إمكانيات الذكاء الاصطناعي هامة، لكن المخاطر ليست أقل بروزاً.

نحن نشهد بالفعل نتائج كارثية للتحيزات المبرمجة في الخوارزميات، وهو ما يشكل أساسا لما يسمى بالعبودية الحديثة.

لهذا السبب، يجب علينا طرح أسئلتنا حول من يصمم هذه التقنية وكيف يتم تنظيمها وإدارتها.

كل الفوائد المحتملة قد تُفوقها مخاطر سيئة التصميم والتنظيم.