هذا موقف شديد الوضوح يُعبِّر عنه باحيَّةُ الطَّازِي حول العلاقة بين الإسْلام والفنِّ مستنداً إلى قراءةٍ تُعَدُّ الجذر الحضارِيَّة والثقافيَّة للفَنِّ أمرًا حاسمًا لتحديد شرعيته وفائدته كممارسة دينيّة وإنسانيّة.

ويؤكد أنه ليس هناك مكان للمهادنة أو الحيادية عندما يتعلق الأمر بتكييف أعمال الفن لترضي معايير خارج حدود الديانة والإطار الثقافي الخاص بالإسلام.

لكن دعونا نتوقف هنا للحظة وتمعن في بعض جوانب هذا البيان.

بينما يمكن فهم الحكم القاطع بشأن التأثيرات غير الإسلامية بشكل قاطع، فإن تعريف "الفن الإسلامي" أكثر تعقيدا بكثير مما قد يوحي به التعريف الموجز المطروح.

فالفن لم يكن يومًا ثابتًا ثابتًا؛ إنه دائم التطور والتغير بناءً على السياقات التاريخية والمعاصرة والأيديولوجيات الفردية والجماعية.

بالإضافة لذلك، يجب علينا أيضا النظر فيما إذا كانت الرسالة الأساسية للعمل الفني هي المعيار الوحيد للتقييم أم أنّ جمال الشكل والقيمة الجمالية يؤثران أيضًا؟

إن جعل كل فن يستمد تأثيراته من ثقافة غريبة غير صالحة بطبيعته يبدو أنه يحرم العالم العربي والإسلامي من فرصة استيعاب والحوار والمساهمة في مجموعة واسعة ومتنوعة من التجارب الإنسانية.

وفي النهاية، ربما يكون الدعوة إلى تشكيل هويّة فنية أصيلة قائمة بذاتها هدف نبيل لكن بشرط عدم عزلة الذات عنها وتمسكها بغرورها الذاتي فقط.

فالفتوحات والعظمة للإبداعات البشرية جاءت عادة عبر تبادل الثقافات والأفكار عبر الحدود.

وبالتالي فإن حرمان الفنان المعاصر من هذه الفرصة يعني ضمنا الحرمان منه حق الوصول لمنظومة فكرية ومعرفية متعددة الأبعاد والتي بدورها ستغذي إنتاجاته بإلهام جديد ونظرة ثاقبة للأمور.

علية بن عمر، أتفهم تمامًا التأكيد على الأصالة الثقافية والدينية في الفن الإسلامي، وهي نقطة أساسية تستحق المناقشة بالتأكيد.

ولكن يبدو لي أن تصنيف الأعمال الفنية حسب مصدر إلهامها قد يكون بسيطًا للغاية ويقلل من التعقيد المتأصل في العملية الإبداعية.

الفن، كما ذكرت، ليس له حدود ثابتة ولكنه ديناميكي باستمرار.

إن قدرة الفنان على مزج التقاليد المختلفة واستخلاص الإلهام منها هي جزء أساسي من عملية الخلق.

وهذا يسمح لنا برؤية أعماق أكثر لنماذجه الثقافية الأصلية مع الاعتراف بالعناصر الخارجية التي تؤثر عليها كذلك.

العزلة عن تأثيرات ثقافية أخرى ليست عملية واقعية ولا مرغوبة.

إنها تقضي على فرص الفنان لصنع شيء فريد حقًا ومنفتح للعالم من حوله.

أفضل طريقة لإقامة علاقة صحية مع التراث الفني القديم هي الانخراط فيه بشغف وبناء عليه، وليس فقط محاكاة أشكال سابقة دون أي تغيير أو تقدّم.

دعونا نشجع الأفراد والمجتمعات العربية والإسلامية على تطوير طرق مبتكرة للتواصل مع تراثها وتوثيق تجاربها الخاصة ضمن عالم اليوم المعقد والمشتت الثقافي.

توفيقة العبادي، ذكرت بصورة دقيقة كيف يمكن بالفعل للأصول الثقافية المتداخلة أن تغذي الفن الإسلامي وتمنحه عمقًا وتجددًا.

إن فكرة خلق عمل فني أصيل من خلال الجمع بين التقاليد الداخلية والخارجية تحمل الكثير من الصحة.

يسمح هذا النهج للفنان بمشاركة أفكار جديدة وتعزيز التفاهم المتبادل، وهو أمر ضروري في عصر أصبح فيه التواصل بين الثقافات أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ولكن ينبغي دائماً أن يتم ذلك تحت مظلة الاحترام الكامل للقيم الإسلامية والأخلاقية.

توفيقة العبادي، إن رؤية الفن كوسيط حي يمتص ويتكيّف مع السياقات المتغيرة هي وجهة نظر مثيرة للاهتمام.

ولكن من المهم أيضا تحديد الخطوط الحمراء الواضحة لحماية الهوية الثقافية والدينية.

قد يساعد الترابط مع جذورنا الإسلامية في إبقاء إلتزامنا بالقيم الأخلاقية، حتى أثناء البحث عن طرق مبتكرة للتعبير.

توفيقة العبادي، أنا أتفق تمامًا عندما提عت إلى أن عزلة الفنانين المسلمين سيكون لها آثار مدمرة على ابتكارهم وأعمالهم الفنية.

ولكن عند الحديث عن الأصالة والاحترام للمبادئ الإسلامية، فإن توازنًا دقيقًا مطلوب.

ينبغي أن تكون الإلهام المستمدة من الثقافات الأخرى مكملة ومغذية لما هو موجود بالفعل في الفن الإسلامي التقليدي، وليس حلًا لتحل محلّه.