دعوني أدخل إلى حوار حول رؤية الاستاذ عبد القدوس الفاسي لـ "اقتصاد المعرفة".

يشدد السيد الفاسي على أهمية المعرفة ودورها الأساسي في تشكيل مستقبَلنا الاقتصادي والاجتماعي.

ويذكر أنه بدل التركيز فقط على الابتكار التقني, يجب أيضا ضمان توفر مهارات ومعارف مستمرة للمجتمع ككل.

هذا التفكير عميق للغاية خصوصا عندما نتذكر كيف ركز الكثيرون سابقا بشكل كبير جدا على الجانب التقني فقط, مع تجاهل البُعد الإنساني والثقافي لهذا التحويل الكبير.

هنا تأتي قوة مفهوم "اقتصاد المعرفة", لأنه يشمل كل شيء - تقنية عصرية بالإضافة لممارسات وتقاليد تاريخية ومعاصرة تجمع بين الخبرة والحكمة والحماس للتعليم والتطور الذاتي المستمر.

إن مشروع أوروبا لتنمية اقتصاد المعرفة دليل قوي على نجاح هذه النهضة.

إن تطبيق نفس المبادئ وأنظمة الدعم يمكن أن يغير وجه العالم العربي والإسلامي تماما إذا صمم بطريقة تراعي القيم الثقافية والدينية لهذه المناطق.

لكن تحقيق ذلك يتطلب جهود مشتركة من الحكومات والمؤسسات التعليمية والشركات والمواطنين بأنفسهم.

يحتاج الأمر لإرادة سياسية واضحة للاستثمار في البحث العلمي والبرامج التعليمية وإيجاد بيئة محفزة للشغف والمعرفيين بالمشاركة الفاعلة في مسيرة الحداثة الحقيقية وليس الغرباء عنها.

حسين، إن رؤيتك ثاقبة بشأن دور الاقتصاد المعرفي في تشكيل مستقبلنا شاملة ومثمرة.

صحيح، غالبًا ما يتم التركيز أكثر على العناصر التقنية للابتكار ولكن إهمال العنصر البشري يمكن أن يؤدي إلى نتيجة سطحية وغير ذات مغزى.

إن كون المجتمع بأكمله مدمجًا ومتعلمًًا أمر ضروري لتحقيق تغيير دائم وعادل.

إن الاتحاد الأوروبي قدم لنا نموذجًا رائعًا لكيفية دعم الاقتصاد المعرفي بمزيج متوازن من السياسة ورعاية المؤسسات وتطلع أفراد المجتمع.

وقد أثبتت فعالية هذا النهج في دفع عجلة التنمية وتحسين حياة الناس.

إنه بلا شك مثلاً يحتذى به لسائر دول المنطقة العربية والإسلامية.

ولكن كما ذكرت سابقًا، فإن المفتاح يكمن في تصميم سياسات تلبي الاحتياجات الثقافية والقيم الإسلامية الفريدة لمنطقة الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه، يقع على عاتق الأفراد مسؤولية كبيرة في دفع عملية اكتساب المعرفة والمهارات.

الشغف بالإنجاز الأكاديمي والتطوير الشخصي مهمتان رئيسيتان لاتخاذ الخطوة الأولى نحو خلق مجتمع نابض بالحياة بالمعرفة والعلم.

عبير بن عثمان، أنتِ تمام الصواب فيما ذكرته عن أهمية وجود نهج شامل للاقتصاد المعرفي.

إنه ليس فقط عن التقنيات الحديثة، ولكنه أيضاً عن تأهيل واستعداد المجتمع بأكمله للعصر الجديد.

تتوافق رؤية الشيخ عبد القدوس الفاسي تماماً مع تلك النقاط الرئيسية.

صحيح أنه بدون مشاركة الجميع – الحكومة، المؤسسات التعليمية، الشركات، والأفراد – لن يكون بإمكاننا تحقيق نظام معرفي فعال.

ولكن، هناك نقطة أخرى تحتاج إلى التأمل وهي كيفية جعل هذه الرؤية مرتبطة مباشرة بالقيم والأخلاق الإسلامية.

كيف يمكننا الجمع بين المعرفة الحديثة والتقنيات الثورية مع الأخلاق الإسلامية؟

قد تكون هذه هي الخطوة الأكثر تحدياً لكنها أيضاً ضرورية لتحقيق اقتصاد معرفي عربي وإسلامي صادق.

عبير بن عثمان، أشعر أنك طرحت نقطة دقيقة حول أهمية فهم القيم الإسلامية عند تنفيذ اقتصاد المعرفة.

إنه بالفعل جزء أساسي من العملية.

نحن بحاجة لضمان أن التطور التقني يبقى ملتزما بالأخلاق الإسلامية والأهداف الاجتماعية.

وهذا يعني وضع سياسات ترعاها القيم الإسلامية وتضمن عدم تضاربها مع الدين الإسلامي.

كما اعتبر الشيخ عبد القدوس الفاسي، هدفنا يجب أن يكون إنشاء اقتصاد معرفي موجه بتعاليمنا وقيمنا.

عبير بن عثمان، أتفق تمامًا معك بشأن أهمية اتباع منهج شامل في بناء اقتصاد المعرفة يعطي الأولوية لتأهيل المجتمع.

إضافة للقيمة، دعونا نركز أيضًا على ضرورة تطويع هذه الجهود بما ينسجم مع القيم الإسلامية.

وهذا يشمل تعزيز أخلاق العمل، العدالة الاجتماعية، وحماية الحقوق الفكرية وفقًا لمبادئ الشريعة.

ويجب أن يكون اقتصاد المعرفة لدينا مصدراً للأمل والرخاء لشعبنا بعقلانية ومنطق شرعي.

عبير بن عثمان، إن إدراكك لقيمة الانصهار المتوازن بين المواهب البشرية وبين الحلول التقنية للحفاظ على الهوية المحلية ودفع عجلة التقدم يعد خطوة حاسمة نحو استدامة الاقتصاد المعرفي.

ومع ذلك، أود إضافة طبقة أخرى للمناقشة؛ أي أهمية التواصل الواضح والفهم المشترك لأهداف وطرق التنفيذ ضمن سياق ثقافي وفكري جامع.

وهذا يتطلب شراكات أقوى وأكثر تركيزًا بين السلطات السياسية، مؤسسات التعليم العالي، القطاعات الخاصة، والإعلام المعاصر.

فالجميع له دوره الحيوي في نشر وتسهيل حوار مفتوح وشامل يدفع باتجاه فهم أفضل وآفاق واسعة أمام جميع الأطراف.

عبير بن عثمان، أتفق تمامًا معك عندما تؤكد على أهمية تضمين القيم الإسلامية عند تطبيق مفهوم الاقتصاد المعرفي.

من الضروري أن تخصص جهودنا وجهتنا بحيث تتواءم مع قيمنا ومعتقداتنا الأساسية.

إن تأكيد الأخلاق الإسلامية والالتزام بها في السياسات والاستراتيجيات سيكون عامل حاسم في ضمان نجاح اقتصاد معرفي مستدام وصالح.

بالإضافة إلى ذلك، فهو يساعد في تجنب الخلافات المحتملة واحترام الاحتياجات الثقافية والدينية للفئات المختلفة داخل المجتمع.

عبير بن عثمان، أفهم مخاوفك بشأن دمج القيم الإسلامية مع الاقتصاد المعرفي، وهو أمر حيوي لمنع إقصاء الأطر الأخلاقية والتقاليد الثقافية أثناء التحرك نحو رقمنة العالم العربي.

ومع ذلك، يبدو لي أن التركيز شديد للغاية على الحفاظ على الطابع الإسلامي قد يؤدي إلى تحجيم الابتكار بسبب القلق الزائد بشأن الامتثال الديني.

يجب أن نهدف إلى خلق فضاء ديناميكي يسمح بالنمو الأكاديمي والتكنولوجي بينما نحترم معتقداتنا وتراثنا.

المسألة ليست في الاستغناء عن مرجعيتنا الدينية، ولكن في توظيفها بطريقة تسمح بالتكامل السلس بين عالم اليوم وعالمنا الروحي.