الفرق ليس في الكود، بل في الحديد؛ والعتاد هو المعركة الحقيقية في #الذكاء_الاصطناعي !



كعادة نهاية كل أسبوع، أستأنف العمل على بعض مشاريعي الجانبية، وكان من بين ما شغّلت مؤخرًا تجربة لتدريب نموذج بسيط لتحويل النص العربي إلى كلام. شغلتُه ليلة الأمس على معالج مركزي قوي يحتوي على 16 نواة، واستمر التدريب طيلة الليل، قرابة 10 ساعات، ليصل إلى اللفة السابعة (أكيد سيتجاوز نهاية الأسبوع قبل أن يصل لنصف العدد المطلوب وهذا غير عملي).

رغم أن البيانات كانت اختبارية إلا أن البيانات المستخدمة لم تكن سهلة (نحو 4000 مقطع صوتي مُجزّأ بحجم إجمالي يتجاوز 10 جيجا)، ومع ذلك فإن هذا التقدُّم كان بطيئًا نسبيًا مقارنة بما تحقق لاحقًا.

فبعد أن وجدت بطاقة رسومات أصبحت متاحة هذا المساء، وهي من الفئة المتوسطة، قررت إعادة تشغيل نفس النموذج عليها.

والنتيجة؟
خلال أقل من نصف ساعة، أتمّ النموذج 5 لفات كاملة على نفس البيانات !
أي بحسبة سريعة، يُمكن إتمام أكثر من 10 لفات في أقل من ساعة، وإنهاء دورة تدريب كاملة من 100 لفة في غضون 10 ساعات فقط.
الفرق ليس في الكود.. بل في الحديد !

البيانات هي نفسها، الخوارزمية لم تتغير والرموز البرمجية هي نفسها، إعدادات التدريب لم تُعدَّل.
الفرق الوحيد؟ وجود بطاقة رسومات.

هذا وحده يُعري وهم كثير من الخطابات التقنية التي تتحدث عن “بناء قدرات الذكاء الاصطناعي” في بلداننا بينما البنية التحتية مُهملة، أو تُعتمد فيها على موارد لا تُقارن بما هو متاح في الخارج.

الحديث عن الذكاء الاصطناعي دون التركيز على العتاد يشبه الحديث عن تعليم الطيران دون امتلاك طائرات.
البرمجيات بدون العتاد.. كمن يكتب على الهواء

البرمجة والخوارزميات هي بالفعل العصب العقلي للذكاء الاصطناعي، لكن العضلات التي تُحرّك هذا الجسد وتُجسّده هي العتاد؛ بدونها، تظل الخوارزميات أفكارًا على ورق.

ويكفي أن نعلم أن شركات مثل “جوجل ديبمايند”، و”أوبن إي آي” و”ميتا” لا تصرف ملايين الدولارات على تدريب النماذج بسبب “كفاءة المهندسين”، بل لأن لديهم أساطيل من آلاف البطاقات الرسومية عالية الكفاءة والمتصلة (بعضها عبر شبكات “إن في لينك” مثلا لتقليل التأخر الزمني وزيادة النقل).

مقابل ذلك، بلدان كثيرة في عالمنا العربي لا تملك حتى مزرعة تدريب وطنية واحدة ومن تملكها لا تتيح لباحثيها إجراء تجارب عملية، ولو ببطاقة واحدة لكل فريق بحثي.. اما الشركات فلسان حالها “رأس المال جبان”، وتكتفي بالمتاجرة في البضائع الرقمية الرديئة وأنف من سماع كلمة “صناعة” أو “تصنيع” وتلجأ لشراء خدمات الشركات الأجنبية عبر واجهة برمجة تطبيقات غير آمنة ولا مضمونة الخصوصية، فيُرسلون لها عبرها كل البيانات بحوزتهم، ثم يتحدث الجميع، بشكل مثير للضحك والشفقة في آن وحد، عن أحلامهم في تطوير نُظم الذكاء الاصطناعي !
استهلاك دون تصنيع = تبعية مضاعفة

في عالم يتّجه نحو الذكاء الاصطناعي كأداة سيطرة اقتصادية واستراتيجية، يصبح امتلاك أدوات التصنيع الرقمي (العتاد والتقنيات المتقدمة) أولوية لا تُؤجَّل.

ومن دون ذلك، سنظل مستهلكين للمنتجات الأمريكية أو الصينية، مرتهنين لقيود التصدير، وواقع العقوبات، وحتى الرقابة على الاستخدام، كما حدث مع أكثر من دولة حاولت استخدام تقنيات متقدمة في مشاريع مستقلة.

بل حتى شركات عربية واعدة، رغم كفاءتها، تصطدم بهذا الحائط الصلب: كيف ندرب نموذجًا كبيرًا دون موارد؟ كيف نُطوّع الذكاء الاصطناعي لصالحنا دون طاقة تشغيلية تسمح بالتحكم الفعلي؟
خلاصة: لا خوارزمية بلا حديد

كل من يتحدث عن الذكاء الاصطناعي دون التطرّق إلى مسألة العتاد، سواءً بالتصنيع أو التمكين أو الشراء الجماعي المخطط، هو إما غير مستوعب للمعادلة التقنية، أو غارق في أحلام اليقظة.

وقد آن الأوان لنضع الأولويات كما ينبغي:

العتاد أولًا، ثم العتاد، ثم العتاد… وبعده تأتي البرمجيات والخوارزميات وكل ما يدور في فلكها.

إنها معركة لا تنحصر في كود، بل في “حديد” يُحرّك العقول.

المقال على مدونتي الشخصية:
https://www.nacer.ma/?p=5863

الفرق ليس في الكود، بل في الحديد؛ والعتاد هو المعركة الحقيقية في الذكاء الاصطناعي – عبدالناصر البصري Abdennacer Elbasri
Favicon 
www.nacer.ma

الفرق ليس في الكود، بل في الحديد؛ والعتاد هو المعركة الحقيقية في الذكاء الاصطناعي – عبدالناصر البصري Abdennacer Elbasri

8 注释