الإعجاز البلاغي في القرآن في كلمتي (يبسط) و (يبصط)
وردت كلمة (بصطة) بالصاد في سورة الأعراف في قوله تعالى : (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصطَة) الأعراف: من الآية 69،
ووردت في سورة البقرة بالسين وهو قوله تعالى: (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) البقرة: من الآية247.

ويُعبر ذلك في التعبير القرآني عن البُعد الإحصائي أو أمرٍ معنوي. فورود المفردة (بالسين) في وصف طالوت: (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) البقرة: من الآية 247، كان لكونها تتحدث عن فرد واحد مقابل جماعة، بينما وردت (بالصاد) في وصف قبيلة عاد قوم هود. قال تعالى: (واذكروا إذ جَعلكم خُلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) الأعراف:69.

فطالوت إنما هو شخص واحد، وأما قوم عاد فهي قبيلة.. ومن المعلوم في علم اللغة أن الصاد أقوى من السين وأظهر، فكان السين الذي هو أضعف أكثر لياقةً وملاءمة بالشخص الواحد، والصاد الذي هو أقوى وأظهر أليق بالقبيلة.


وأما كلمة (يبصط) بالصاد فقد وردت في قوله تعالى: (والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون) سورة البقرة، وسائر ما في القرآن (يبسط) بالسين في أكثر من عشرة مواضع، وذلك أن البسط في آية البقرة مطلقٌ عام لا يخص شيئا دون شيء، وفي غيرها مقيد. ولا شك أن البسط المطلق أقوى من المقيد، فهو يحتمل البسط في الرزق وفي الأنفس وفي الملك وغيرها، فجاء في الأقوى بالصاد وفي المقيد بالسين.

جاء في (البرهان): “فصل في حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف المعنى. مثل: (وزاده بسطة في العلم والجسم) و (وزادكم في الخلق بصطة)، (يبسط الرزق لمن يشاء)، (والله يقبض ويبصط)، فبالسين السعة الجزئية كذلك علة التقييد، وبالصاد السعة الكلية بدليل علو معنى الإطلاق، وعلو الصاد مع الجهارة والإطباق).

وجا في (البحر المحيط) في قوله تعالى (والله يقبض ويبصط) “أي يسلب قوما ويعطي قوما، أو يقتر ويوسع أو يقبض الصدقات ويخلف البذل مبسوطا، أو يقبض أي: يميت لأن مَن أماته فقد قبضه، ويبسط: أي يحييه لأن مَن مد له في عمره فقد بَسَطه، أو يقبض بعض القلوب فلا تنبسط ويبسط بعضها فيقدم خيرا لنفسه أو يقبض بتعجيل الأجل ويبسط بطول الأمل، أو يقبض بالحظر ويبسط بالإباحة، أو بقبض الصدر ويوسعه. أو يقبض يد من يشاء بالإنفاق في سبيله، ويبسط يد من يشاء بالإنفاق.. أو يقبض الصدقة ويبسط الثواب”.

وجاء في (فتح القدير): “هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط. والقبض التقتير، والبسط التوسيع”.

وقيل: يقبض الصدقة ويخلفها، وقيل يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له، فنرى مقدار الإطلاق في القبض والبسط ههنا بخلاف ما ورد في الآيات لأخرى. فإنه مقيد بالرزق في عشرة مواضع ومقيد بغيره في مواضع أخرى.

المدونة الشخصية: الدكتور نادر الملاح

5 Kommentarer