الاستعمار الذاتي: الأثر غير المرئي للتفوق الثقافي في الحقبة الحديثة

رغم الحديث عن مقاومة الاستعمار التاريخي، إلا أن شكلًا آخر منه أصبح منتشرًا بشكل خفي لكن مدمّر؛ وهو ما يمكن تسميته بـ"الاستعمار الذاتي".

هذا الشكل من الاحتلال ليس جغرافيًا، ولكنه نفسي وثقافي.

يتعلق بتفضيل ثقافة واحدة وخنق الأخرى تحت مظلة التفوق المعرفي.

المشاكل العالمية المعاصرة تتجاوز الصراعات الإقليمية البحتة، وتنبع أيضًا من عدم القدرة على احترام الاختلافات الثقافية.

إن تجاهُل التعقيدات الجماعية والثراء الذي تأتي به التنويعات البشرية يدفعنا نحو عزل مشاريع السلام والديمقراطية التي نسعى إليها.

خذ مثلًا "متلازمة اليد والقدم والفم"، والتي تظهر أنها أكثر انتشارًا مما نتوقع، وغير مرتبطة فقط بصحة الأطفال الشخصية.

هذه الحالة هي مثال حي على تأثير العلاقات بين الفرد والجماعة.

إذا تم اعتبار كل شخص جزءًا مهمًا من شبكة اجتماعية أكبر، فقد نرى الأمراض والمشاكل كعلامات تحذير بدلاً من اتهامات للجسد الواحد (مجتمع).

وفي ظل ذلك، يمكن رؤية الاضطراب السياسي الأمريكي كمظاهرة واضحة لهذه المشكلة.

حيث يتم التركيز على الفرق والخلاف بدلاً من الوحدة والانسجام.

ينطبق نفس الأمر على الحرب النفسية في العالم العربي، حيث تُستخدم وسائل الإعلام لتحريف الواقع والحكم على الآخر حسب المصالح السياسية وليس أخلاقياً.

إذن، الخطوات التالية ليست فقط العلاج الفيروسي ولا الحل السياسي الدولي بل تنمية حسٍّ حضاري يحترم فروقات الثقافات ويعالج جذور الاحتكاكات.

فالسلام الحقيقي يبنى عندما نعترف بأن ثراء الحياة يأتي من اختلافاتها لا تشابهها!

1 Kommentarer