في أعماق التاريخ البشري، يمكننا تتبع جذور فكرة السلام الدولية التي تطورت عبر قرون لتُصبح جزءاً أساسياً من العلاقات بين الدول الحديثة. بدأت هذه الرحلة مع محاولات بسيطة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وصولاً إلى النظريات المعقدة التي تحكم السياسة العالمية اليوم. إن فهم تطور السلام كمفهوم يشكل خطوة حيوية نحو بناء مجتمع أكثر اتحاداً واحتراماً للقانون الدولي.
كانت واحدة من أولى الحركات الداعمة للسلام هي حركة عدم التدخل، والتي ظهرت خلال القرن الثامن عشر كرد فعل ضد الغزو العسكري المستمر الذي شهدته تلك الفترة. وقد وضع الفلاسفة مثل إميل دي كوندورسي وهنري هادنغتون أسساً نظريّة لهذا النهج الجديد في العلاقات الدولية. وكانوا يؤمنون بأن كل دولة يجب أن تحافظ على سيادتها وأن تحتفظ بعلاقات سلمية مع الآخرين بشرط احترام حقوق بعضها البعض وعدم تدخّل طرف خارجي في الشؤون الداخلية لأي منها.
ومع ذلك، فقد أكسبت الحربان العالميتان الأولى والثانية الساحة الدولية اهتماماً جديداً بموضوع السلام. أدت الرعب والإهدار الكبير الذي شهده هذين الحدثين إلى ظهور أعمال قانون دولية جديدة هدفت لحماية المجتمع الإنساني من تكرار مثل تلك الصراعات المدمرة. شكلت هذه الأعمال اللبنة الأولى لاتفاقيات جنيف واتفاقيتي برلين (1928) وجنيف (1929)، اللتان كانتا رائدتين فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالأسلحة والتسريح العسكري الطوعي.
وفي نهاية المطاف، جاءت الأمم المتحدة - المؤسسة الأكثر شهرة ومثيراً للجدل أيضاً – في عام ١٩٤٥ كنتاج طبيعي لهذه المحاولات المبكرة لتحقيق النظام والسلام عالميًا. لقد منح نظام عصبة الامم سابقتها صلاحيات أكبر بكثير وسلطات تنفيذية لم تكن متوفرة سابقاً بما فيها فرض العقوبات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية القوية لحل النزاعات بشكل سلمي قبل أن تصبح نزاعاً مسلحاً .
اليوم، يعتبر مفهوم "السلام"، سواء كان جزئيا أم شاملاً, عنصر حيوي في أي استراتيجية خارجية للدولة؛ فهو ليس مجرد خيار ولكنه ضرورة ملحة لضمان حياة كريمة وخالية من المخاطر للأجيال المقبلة. ولا يزال البحث العلمي حول كيفية خلق بيئة سلام دائمة مستمرا حتى وقتنا الحالي، وذلك باستخدام الأدوات السياسية والقانونية والتعاون الثقافي والأمني وغيرها الكثير. لذلك فإن طريق الوصول إلى حالة من السلام المستدام سيكون طويل وشاق ولكن بالتأكيد مجدي وممكن إذا تم بذل الجهود المشتركة والصادقة للوصول إليه.