مع تزايد الطلب العالمي على المساحات المعيشية والمرافق الخدمية، تواجه المدن تحديات غير مسبوقة تتعلق بالتنمية المستدامة. يهدف هذا التحقيق العميق إلى استجلاء كيفية تأثير هذه العملية المتطورة - التي يتم تعريفها عادة بـ "التنمية الحضرية" - على النظام البيئي المحلي وكيف يمكن للمدن الذكية أن تقدم حلولا مبتكرة لهذه المشكلات. سنستعرض هنا بعض المواضيع الرئيسية بما في ذلك زيادة الفقر البيئي، وتلوث الهواء الناتج عن النقل، وفعالية الطاقة والإدارة الذكية للنفايات ضمن سياق العمران الحديث.
أولاً: الفقر البيئي وانتشاره في المناطق الحضرية
تظهر البيانات العالمية نموا ملحوظا في عدد سكان العالم الذي يعيش في مناطق حضرية. ومع ذلك، ليس جميع السكان يعيشون بنفس القدرة والمعايير. يُشير مصطلح "الفقر البيئي" إلى عدم الوصول إلى الموارد الطبيعية الأساسية مثل الماء النقي، التربة الصالحة للأكل، وغيرها من الضرورات الحيوية. بينما توفر المباني الشاهقة خدمات حديثة ومتنوعة لسكان الطبقة الوسطى والعليا، فإن طبقات المجتمع الواسعة الأخرى قد تركت بلا خيار إلا البقاء بالقرب من المصانع والمناطق التجارية ذات مستويات عالية من التلوث. وقد أدى هذا الوضع إلى ما يعرف بـ "الفوارق المكانية"، حيث ترتبط الصحة العامة بشكل كبير بموقع المنزل بالنسبة لمشاريع تطوير العقارات المركزية الجديدة.
ثانياً: تلوث الهواء والنقل العام
على الرغم من كون وسائل النقل الحديثة مريحة وسريعة، فهي أيضًا مصدر رئيسي للتلوث. السيارات والشاحنات والحافلات تساهم بشكل كبير في انبعاث الغازات الدفيئة وبالتالي الاحتباس الحراري والتغير المناخي. وفي الوقت نفسه، تعتبر المدن الأكثر كثافة سكانية هي الأكثر تضررًا بسبب تدهور نوعية الهواء نتيجة الزيادة الكبيرة في المركبات الشخصية. الحل الأمثل هنا يكمن في تشجيع استخدام وسائل نقل عامة فعالة وصديقة للبيئة مثل القطارات الكهربائية والباصات ذوات الانبعاثات المنخفضة بالإضافة إلى شبكات الدراجات والخيارات المشتركة للسفر.
ثالثاً: إدارة الطاقة والاستخدام الرقمي
تسعى العديد من المدن لتحقيق هدف "مدينة ذكية". وهذا النوع الجديد من التخطيط الحضري يستخدم التقنيات الرقمية لإعطاء الأولوية للاستدامة والكفاءة مع تقديم الخدمات الحكومية بطريقة più سهلة ومبسطة لسكان المدينة. أحد جوانب المدينة الذكية المهم هو إدارة الطاقة بكفاءة عبر بناءات موفرة للطاقة (مثل الإضاءة LED) ونظام طاقة نظيفة قابل للتجدد (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح). كذلك، يساهم التواصل بين نظام إدارة النفايات وإدارات صيانة البنية التحتية بشكل فعال جداً في الحد من كميات المخلفات وتحسين رفاهية مواطني المدينة ككل.
وفي النهاية، رغم التحديات العديدة المرتبطة بالتوسع الحضري الحالي، تبقى الفرصة سانحة أمام رؤساء البلديات والمخططين المدنيين لاستلام زمام الأمور نحو مدن أكثر سلامة بيئياً وحداثة تكنولوجياً. إن تنفيذ خطط عمل واضحة تستند إلى أسس الاستدامة سوف يؤدي حتماً إلى خلق مجتمعات صحية ومستقبل مشرق لكوكب الأرض جمعاء.