تُشكِّل ظاهرة التغير المناخي قضية عالمية ذات أولوية تتطلب استجابة فورية وجادة من جميع الأطراف المعنية. أحد العوامل المحركة الرئيسة لهذه الظاهرة هو زيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض، والتي تساهم بشكل كبير في ارتفاع درجة الحرارة العالمية. في هذا المقال، سنستكشف سبلًا متنوعة لتوليد هذه الغازات وتقييم مدى أهميتها البيئية.
قطاع الطاقة والمعادن: محركان رئيسيان لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري
يعد قطاع الطاقة واحداً من أكثر القطاعات ازدهاراً في العالم، لكن عواقب إنتاج واستخدام الوقود الأحفوري تأتي بنتائج كارثية للبيئة والكوكب ككل. يُعَدّ حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي مصدراً أساسياً لانبعاث ثاني أكسيد الكربون، وهو العنصر الأكثر شيوعاً في غازات الاحتباس الحراري. وفقاً لإحصاءات المنظمة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، شكل توليد الكهرباء باستخدام الوقود الأحفوري حوالي 65% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة عام 2017، مما يؤكد ضرورة التحول نحو مصادر طاقة نظيفة ومستدامة مثل الرياح والشمس والطاقة الكهرومائية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر تعدين المعادن وإنتاج المواد البنائية العمليات الصناعية الأخرى مساهمين رئيسيين في زيادة كميات غاز الميثان وثاني أكسيد النيتروز وغيرهما من المركبات التي تحبس الحرارة الأرضية داخل جو الأرض. فعلى سبيل المثال، أثناء عمليات التنقيب والعزل والتكرير الخاصة بإنتاج النفط والغاز الطبيعي، يتم فقدان ما بين 2٪ - 4٪ منه على هيئة هدر مباشر للميثان، وهو مركب ذو تأثير دفيء قوي يعادل تقريباً ثلاث مرات قدرة ثاني أكسيد الكربون على الاحتفاظ بالحرارة خلال فترة زمنية مدتها عشر سنوات. وبالتالي فإن تطوير التقنيات الحديثة لتحسين كفاءة الاستخراج وحقن أي مواد مهدرة مرة أخرى تحت سطح الأرض يمكن أن يسهم بشكل فعال في الحد من تلك الانبعاثات غير المرغوب فيها.
الزراعة والنقل: قطاعات هامة ولكن قابلة للتحكم
لا يمكن تجاهل دور قطاع الزراعة في عملية تشكيل المناخ العالمي نظرًا لاستخدامه الشائع للإسمدة الآزوتية والممارسات الزراعية المكثفة والتي تُطلق نواتج جانبية سامة مثل أكسيد النيتروجين وأكسيد النيتريك بالإضافة لمضاعفات غاز الميثان الناجمة عنها أيضًا. وإن اتباع أساليب زراعية مستدامة تعتمد على تدوير العناصر الغذائية والحفاظ على خصوبة التربة سيؤدي حتماً لتوفير حلول مبتكرة تلعب دوراً محورياً بتحقيق توازن بيئي أفضل بكثير مقارنة بطرائق العمل التقليدية.
ومن جهة أخرى، يعد نقل الأشخاص والبضائع نشاط هائلاً للغاية يلعب دوره الواضح ضمن مجموعة عوامل المؤثرة بصحة النظام الإيكولوجي الحالي. فأعداد السيارات والدراجات نارية ووسائل المواصلات العامة العاملة بمحركات احتراق داخلي تعمل بغزارة باستمرار لإطلاق ملايين الأطنان السنوية من ثاني أكسيد الكربون ومن ثم التأثير السلبي عليه وعلى طبقات الستراتوسفير المرتفع فوق رأسنا مباشرةً! وفي حين تبقى بعض الاختيارات الشخصية محدودية أمام الأفراد بشأن استخدام وسائل نقل بديلة خارج سيطرتهم المباشرة، إلا أنه هناك توجه حاليًا باتجاه تنفيذ سياسات دعائية وتعليمية تثقف الجمهور حول مزايا الانتقال لحلول نقل مرنة وسريعة وصديقة للبيئة كالأنظمة المشتركة للنقل عبر المدن واستثمار المزيد بمراكز مواقف الدراجات الهوائية المنتشرة عند مناطق الخدمات المختلفة بما يدعم اقتصاديات "السفر الأخضر".
إن فهم جذور مشكلة تغير المناخ أمر حيوي لاتخاذ قرارات مبنية على علم ودليل واقعي وليس مجرد رد فعل عشوائي عشواءي غير مخطط ولا موجه نحو هدف واضح المعالم؛ لأن الأمر قد أصبح خطيرا جدا ويحتاج لكل فرد مسؤوليته مجتمعا يبدأ برد الجميل لوطنناه الأم والأجيال القادمة الراغبين نحن وهم بحياة كريمة خالية من المخاطر الصحية الخطيرة جرّاء ارتفاع درجات حرارة سطح الأرض وما يرتبط بها كذلك ممّا يسميه البعض بـ"الفوضى البيئية." فلنتخذ الآن إجراءات جريئة تعزز فرصة تحقيق تقدم ملحوظ تجاه طريقنا المستقبل الأنسب لنا ولكوكبنا العزيز...
