في الأعماق الغادرة للمحيطات وحتى القمم العالية لجبالنا، تكمن حياة برية متنوعة ومدهشة وقديمة قدم الزمن نفسه. يمثل النظم البيئية موطنًا للعديد من الأنواع ويتضمن علاقات معقدة بين الكائنات الحية المختلفة، بدءًا من النباتات الصغيرة وانتهاء بالحيوانات الضخمة التي تدور فوق رؤوسنا. هذه الفسيفساء البيولوجية ليست مجرد مجموع خليط عشوائي؛ إنها شبكة دقيقًا ومتماسكة ومتكاملة بشكل مذهل. ولكن ما الذي يحدث عندما تتدخل يد البشر؟ وكيف يؤثر وجود نوع واحد - النوع الإنساني - في مثل هذا العالم المعقد والحساس؟
التوازن الدقيق لنظام بيئي يكمن أساسه في الشراكات الطبيعية والمعارك اليومية للحياة البقاء. كل كائن حي يلعب دوراً محددًا ومخصصاً له ضمن سلسلة غذائية حرفيًا بلا نهاية لها تقريباً. تبدأ بمنتجي الطاقة كالطحالب والنباتات، ثم تأتي الحيوانات آكلة اللحوم (الحيوانات آكلة النبات) والتي بدورها توفر الطعام للعشائر الأكبر حجمًا حتى أعلى مستوى وهي الطيور الجارحة وغيرها من آلكلثعرات العملاقة. لكن هذا التركيب الدقيق قد ينهار إذا تغيرت أي جزء منه بسبب التعرض للإنسان والتغييرات المناخية وغير ذلك الكثير مما يحدث حاليا بالعالم الآن.
الإطار الزمني للتطور كان طويلاً جداً، بينما لم يكن تأثير البشر إلا حديث نسبياً. منذ بداية الصناعة الثورة الصناعية وحتى وقتنا الحالي، شهدنا تغيرات هائلة فيما يتعلق بمفاهيم الاستخراج والاستهلاك والإدارة العشوائية للأراضي والموارد الأخرى المتاحة لنا هنا على وجه الأرض. أدى توسيع المناطق الحضرية وإزالة الغابات والصيد غير القانوني وصيد الأسماك التجاري إلى انخفاض كبير في أعداد العديد من أنواع الحيوانات البرية حول العالم. بعض تلك الانخفاضات كانت كارثية بالفعل وليست فقط مهددة بالنسبة لتلك الأنواع المحددة وإنما أيضاً تضر بالنظام البيئي العام وبالتالي تواجد باقي الأحياء كذلك.
على سبيل المثال، يُعتبر فقدان أشجار الغابات المطيرة ليس خطراً مباشراً على الحيوانات الموجودة داخل الغابة فحسب ولكنه أيضا يشكل تهديدا لأكثر بكثير منها خارج النطاق المحاصر للغابة نفسها؛ وذلك عبر تعطيل دور الأشجار كممتصة لكميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون وكمصدر رئيسي لتوليد الأمطار الموسمية الوفيرة الواجب توفرها لإعادة تنظيم مجرى المياه والبحيرات والأنهار والعوامل المتحكمة بهواتها إلى حد بعيد مما يعني انهيار مصادر الرياح الهامسة لأمطار الغابات الإستوائيه الرطبة بنظاماتها الخاصة بها منتجة بذلك حلقة رد فعل سلبي على مدار العقود المقبلة إن لم يتم اتخاذ إجراء فعال قريب المدى خلال الفترة الحالية.
هذه هي قوة النظم البيئية وحساسيتها القصوى تجاه التدخل الخارجي وما يتبعها من آثار جانبية متعلقة بما نسمعه عنها تقلبات مناخية وعوامل أخرى مرتبطة بهذا الموضوع تحديداً! لذلك يجب أن يكون هدفنا الرئيسي أثناء التفكير بشأن كيفية إدارة مواردنا الطبيعية مستقبلياً هو حماية التوازن الهش لهذا النظام قدر المستطاع لأن ذلك سيكون السبيل لحفظ تنوع الحياة على سطح عالمنا واحترام حق الكوكب الأصيل بالحفاظ عليه بطرق طبيعية وآمنة تماما بدون ضرر يمكن تصنيفه تحت بند "خطايا البشر"!
إن فهم علاقتنا الخفية مع البيئة المحيطة بنا يفتح الباب أمام فرصة تحسين وضعنا الحالي نحو تحقيق مستقبل مشترك جيد لكل أبناء جنسنا البشري وكذلك كافة مخلوقات الله سبحانه وتعالى الذين خلقهم جميعا بخيريته وعطفه الرحيم عليهم جميعاً..