- صاحب المنشور: أسيل بن جلون
ملخص النقاش:
في عالم اليوم المترابط والمتعدد الأقطاب، لم تعد الدول تحاول فرض نفوذها عبر القوة العسكرية فحسب. بل ظهرت قوى جديدة تقوم على ما يمكن تسميتها بالقوة "الناعمة". هذه القوة تتألف من مجموعة متنوعة من الأدوات الثقافية والاقتصادية والدبلوماسية التي تستطيع بها الدول التأثير والتواصل مع الآخرين خارج حدودها الجغرافية التقليدية.
هذه الظاهرة ليست غريبة على بعض الدول الصغيرة أو ذات التعداد السكاني المنخفض والتي قد يُنظر إليها كـ"أشباه البلدان"، حيث أنها تمثل حقيقة مثيرة للاهتمام حول الديناميكيات العالمية الجديدة. بدلاً من الانكماش أمام الصعود المحتمل للقوى الكبرى أو الاقتصادات العملاقة، فإن العديد من هذه "الأشباه البلدان" تطور استراتيجيات فريدة لتوسيع تأثيرها العالمي باستخدام أدوات مثل التعليم، الفن، الرياضة، والسياحة.
على سبيل المثال، اليابان رغم حجمها الجغرافي البسيط مقارنة بشركائها الإقليميين مثل الصين أو الهند، إلا أنها تتمتع بتأثير كبير عالميًا بسبب قوة ثقافتها الهائلة وقيمة منتجاتها التجارية والإبداع العلمي. وبالمثل، سويسرا - وهي دولة صغيرة وغير ساحلية في قلب أوروبا- تعتبر مركزًا للبنوك الدولية والمؤسسات البحثية، مما يلعب دوراً محورياً في السياسة المالية والعلمية العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك دول أخرى غير معروفة نسبياً ولكن لها حضور بارز في المشهد الدولي عبر الاستفادة من نقاط قوتها الخاصة. قطر، على الرغم من كونها إحدى أصغر الدول مساحة واحتلالاً لسكان الأرض، فقد قامت باستثمار ضخم في الإعلام والثقافة والأعمال الخيرية لتعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية العالميتين. وفي الشرق الأوسط أيضاً، تستثمر الإمارات العربية المتحدة بكثافة في الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية الحديثة لجذب الزوار واستقطاب الأعمال الدولية.
إن النهج الذي تتبعه هذه الـ "أشباه البلدان" يظهر أنه حتى بدون موارد طبيعية وفيرة أو موقع جغرافي استراتيجي، يمكن للدول استخدام عوامل أخرى لتحقيق مكانة هامة ومؤثرة ضمن النظام العالمي المعاصر. إنها تُبرز الحاجة لإعادة النظر في تصوراتنا التقليدية حول كيفية تشكيل السياسات الخارجية وكيف يمكن لأي بلد بغض النظر عن حجمه الفعلي تحقيق قدر أكبر من النفوذ والحضور الدولي بناءً على بناء شبكات العلاقات الأقوى وتعميق الاتصالات الإنسانية والفكرية بين مختلف الشعوب والحكومات.
هذا التحول نحو الاعتماد الأكبر على "القوة الناعمة" يتطلب فهماً جديداً لكيفية عمل الدبلوماسية الحديثة وأهمية الاستدامة طويلة المدى للمبادرات الحكومية والخاصة المشتركة داخل المجتمع العالمي المتغير بسرعة كبيرة.