في الجنة، الحياة مختلفة تماما عما نعرفه في هذه الدنيا. فهي ليست مكانا للتكاليف والقوانين كما هي الحال هنا؛ بل هي دار النعيم حيث لا حدود لما يمكن أن تخفيه لنا يد قدرة الله الرحيم. لقد وعدنا الله عز وجل بالأشياء الجميلة والمبهجة التي لا يمكن تصورها أو تقديرها بمصطلحات بشرية: "فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون" (السجدة: 17). لذلك، يجب عدم الانشغال بسؤالات دقيقة حول التفاصيل الموجودة في الجنة والتي ربما نظهر فيها كمحددات أو مصاعب وفق معايير الحياة الأرضية لدينا. فالجنة هي واقع مختلف تمام الاختلاف فيما يتعلق بالحقيقة الفعلية للأمور.
ومن أهم ما ذكر بشأن العلاقات بين الرجال والنساء غير المحارم هناك غض البصر وقصر النظر عن المتع الأخرى في الجنة حسب الوحي الرباني: "فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان". ومع ذلك، فإن هذا البيان يشير تحديدًا إلى حالة الحور العين، بينما يترك مجالًا للاستفسار بشأن مدى تطبيق ذلك على النساء الأخريات.
أما بالنسبة لسؤال اللباس، سواء كان ذلك عبارة عن خمار (غطاء الرأس)، لم يتم تقديم دليل واضح لإثبات ضرورة ارتداء غطاء الرأس بشكل مطلق من قبل سيدات الجنة. وعلى الرغم من وجود إشارات عرضية في بعض الأحاديث مثل رواية النبي صلى الله عليه وسلم عبر الصحابي انس بن مالك رضوان الله عليه، حيث قارنت إحدى الحور العين زوجها برجل الأرض قائلة: "والله ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك"، بالإضافة لتوضيح أبي عبيد القاسم بن السلام حول معنى "النصيف" كالخمار، إلا أنه لا يوجد اتفاق نهائي حول الموضوع بناءً على تلك الروايات وغيرها بسبب اختلاف التفسيرات المحتملة لها.
وقد أكد العديد من علماء الدين كابن كثير والحافظ ابن حجر حاجتنا للتعامل بحرص عند تناوله موضوعات كهذه كونها تتناول جوانب خاصة بالعلاقات الاجتماعية ضمن نظام سماوي خارج نطاق قوانا البشرية المعتادة. وبالتالي، يستحب ترك الأمر للإرادة الكونية الكاملة والخالق جل شأنه وهو الوحيد المطلع عليها حق المعرفة والإحاطة بها.