تُعد رحلة العلماء لاستكشاف أعماق الكون باستخدام الأدوات المتقدمة واحدة من أكثر المغامرات إثارة وتأثيراً في التاريخ البشري الحديث. وفي قلب هذه الرحلة يأتي دور تلسكوب هابل الفضائي الذي أبصر النور عام 1990 ليغير وجه فهمنا للفضاء الخارجي بشكل جذري. منذ انطلاقه حتى يومنا هذا، أصبح هذا الرمز العلمي ليس فقط نافذة شوهدت منها بعض أجمل المناظر الفلكية، ولكنه أيضًا مصدر للحقيقة حول طبيعة كوننا وعمره وحركته.
ابتكر علماء ناسا تصميمًا متقدمًا لتلسكوب هابل والذي يسمح له بالعمل خارج الغلاف الجوي للأرض حيث لم تعد التشويهات الضوئية التي تؤثر علينا هنا موجودة. وهذا يعني قدرة غير مسبوقة لرصد الأشياء البعيدة جدًا وبضوء أقسى بكثير مما يمكن رؤيته بالأجهزة الموجودة على الأرض. بفضل تلك القدرة، تمكن هابل من اكتشاف العديد من الظواهر الفلكية - مثل الثقوب السوداء العملاقة في مراكز المجرات، وموجات الجاذبية التي تنذر بأن الزمن نفسه قد يبلى ويمر، بالإضافة لأول الصور الثاقبة للمجرات الأولى في تاريخ نشأة الكون نفسها!
لم يكن عمل الهابل مجرد صيد بصري؛ فقد ساهم أيضا في تحديث مفهوم عمر الكون. قبل بدء مهماته، كانت تقديرات العمر تتراوح بين عشرة مليارات سنة تقريبًا. ولكن مع بياناته الدقيقة والكثيرة، ارتفع تقدير عمر الكون الآن إلى حوالي ثلاثة عشر مليار سنة بناءً على تحليلات كثيفة لإشارات الضوء القادمة من بعيد جدا داخل الفضاء.
كما أدى تدقيق البيانات المستمرة إلى حل ألغاز جديدة باستمرار فيما يخص تركيب المواد المختلفة في مجرتنا ومدارتها، ما يساعدنا اليوم وفوق كل ذلك على فهم مكان وجود البشر ضمن مخطط أكبر لكيفية تشكل عالمنا وكينونه الحالية والمستقبلية المحتملة. إن قصة نجاح مشروع هابل هي شهادة حية لقوة الرؤية العلمية والإبداع الإنساني المشترك عند مواجهة غموض الفيزياء والنظر فيها تحت ظلام المسافة الشاسعة للتاريخ الكوني.