في عالم البيولوجيا الدقيقة، تلعب البكتيريا دورًا حاسمًا ومثيرًا للاهتمام في الحفاظ على صحة الإنسان. بينما كانت الاعتقادات التقليدية تشير إلى أن معظم أنواع البكتيريا تسبب أمراضاً خطيرة، فإن الاكتشافات الحديثة تكشف عن وجه آخر لهذه الكائنات الصغيرة. هذه الدراسات توضح بشكل متزايد كيف تساهم العديد من الأنواع من البكتيريا في تحقيق توازن بيولوجي أساسي داخل أجسامنا.
أولاً، يعمل ما يعرف بـ "الميكروبيوم"، وهو مجموعة متنوعة من البكتيريا الموجودة في الجهاز الهضمي للإنسان، كمستشار غذائي مؤثر. يقوم بتكسير الطعام وتسهيل عملية امتصاص المواد الغذائية الضرورية مثل الفيتامينات والأحماض الأمينية. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الميكروبيوم أيضًا في إبقاء المناعة قوية وصحيّة عبر إنتاج مواد مضادّة للجراثيم يمكن أن تحارب العدوى المحتملة.
ثانياً، أثبتت بعض أنواع البكتيريا قدرتها على المساعدة في الوقاية من الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب. دراسة نشرت عام 2019 وجدت علاقة بين حالة الميكروبيوم الصحي وانخفاض خطر الإصابة بهذه الاضطرابات. يبدو أن التواصل العصبي بين المخ والميكروبيوم يلعب دوراً رئيسياً هنا.
وفي مجال الطب الحيوي الحديث، بدأت الباحثون يستكشفون استخدام البكتيريا كوسيلة علاجية. فمثلاً، هناك أنواع معينة من البكتيريا قد تكون فعالة في مكافحة السرطان من خلال تنشيط استجابة الجسم الطبيعية للتخلّص من الخلايا المصابة. كما يتم النظر حاليًا في إمكانية استخدام بعض البكتيريا في علاج حالات مثل اضطراب حركة الأمعاء (Crohn's disease).
باختصار، يعد فهم الدور الذي تقوم به البكتيريا في الحفاظ على الصحة الإنسانية مسعى جديد حققت فيه العلم تقدماً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة. إن الغموض الذي يحيط بهذا المجال يوحي بأن المزيد من الرؤى والتطبيقات العملية ستصبح ممكنة مستقبلاً.