في عالم اليوم المترابط ديناميكيًا، يعتبر موضوع الحراك الاجتماعي والتأثير المحتمل له على النمو الاقتصادي أمرًا حاسمًا للبحث العلمي. يُشير "الحراك الاجتماعي"، وفقًا للمؤرخ الفرنسي بول بورديو (Bourdieu)، إلى القدرة التي يتمتع بها الفرد على التحرك داخل النظام الطبقي خلال حياته الخاصة. بينما يشير مصطلح "التقدم الاقتصادي"، فهو يشير عادةً إلى زيادة الدخل القومي الإجمالي، وتطوير القدرات الصناعية والمالية، وتحسين مستوى معيشة السكان بشكل عام.
لكن كيف تتفاعل هذه المفاهيم؟ هل يؤدي ارتفاع معدلات الحراك الاجتماعي إلى تسريع عملية التطور الاقتصادي، أم أن هناك علاقة معاكسة محتملة؟
تُظهر العديد من الدراسات وجود رابط إيجابي قوي بين الحراك الاجتماعي والتقدم الاقتصادي. فمجتمعات ذات مستويات عالية من الحراك الاجتماعي تميل غالبًا إلى التجربة اقتصاديات صحية ومتزايدة باستمرار. وذلك لأن البيئة الاجتماعية المرنة تسمح للأفراد الأكثر موهبة وعرقلة بمواجهة فرص أكبر لتحقيق نجاح مادي. وهذا بدوره يقود إلى تطوير المزيد من الابتكارات والأعمال التجارية الناجحة، مما يدفع عجلة الاقتصاد المحلي والإقليمي والعالمي.
على سبيل المثال، اليابان وكوريا الجنوبية خلال الأعوام الأخيرة هي نماذج رائعة لهذه الظاهرة حيث شهدتا نقلة كبيرة نحو أعلى سلّم التصنيف العالمي بناءً على قدرتهما على توفير بيئات اجتماعية وحوافز تشجع المواطنين على تحدي الذات والسعي لتحقيق أهداف مرموقة بغض النظر عن وضعهم الحالي.
ومن جانب آخر يمكن اعتبار انعدام الحراك الاجتماعي مؤشراً غير صحي للاقتصاد؛ إذ قد يؤدي ذلك إلى جمود المجتمع وتعثر حركة الريادة والأفكار الجديدة وهو ما رأيناه مثلاً في بعض البلدان الفقيرة للغاية والتي تشهد استقراراً طبقيّاً بسبب المصاعب المالية والمعنوية بما فيها ضعف التعليم والحصول عليه وعدم توفر فرص عمل مناسبة وغيرها الكثير مما يعيق تغيير الوضع الحالي ويحول دون بروز مواهب جديدة ستكون قادرة ربما على دفع البلاد قُدماً باتجاه الرخاء المستدام.
إن فهم العوامل المؤثرة في كلٍ من الحراك الاجتماعي والتطور الاقتصادي هما خطوة أولى مهمة لفهم المعادلة برمتها وإمكانية تحقيق تقدم شامل ومستدام لكافة القطاعات والفئات العمرية والثقافية ضمن المجتمع الواحد.
وفي الختام فإن دراسة العلاقة بين الحراك الاجتماعي والتقدم الاقتصادي ليست مجرد مسعى نظري مبتكر فقط وإن كان كذلك ولكن لها أيضاً تطبيق عملي هام لمن يريدون اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية صائبة تصب لصالح عامة الشعب وتعزيز الاستقرار طويل المدى للدولة ككل.