رسائل كانت تصلني في تويتر، ولم تتوقف طوال سنوات، رسائل صباحية منتظمة لمُغرِّد أُردنِّيٍّ سِتِّينيّ، يبدأ رسالته بالسؤال عن صحَّتي وعن حال تونس، ثمّ يَشْرع في الدعاء لي بشكل صافٍ صادِقٍ وباذخ في الكرم. هكذا ودون تخطيط، ولا سابق معرفة، نشأت علاقة أسمِّيها بـ”الأبوَّة الافتراضية”
في الحقيقة، لا أذكر في أيِّ وقتٍ تنبَّه “عمّو” أو أبي الافتراضي، على أنَّ أبي مُتَوفًّى منذ سنوات. وللأمانة، لا أذكر أول حوارٍ عامٍّ مباشر نشأ بيننا في فضاء تويتر، قبل تَلقِّي تلك الرسائل، التي صِرتُ أهرع إليها كل صباح، كما لو كنتُ أفتح رسائل أبي الشخصية على الهاتف.
على مَرِّ أربع سنوات، انتظمَت علاقتي بأبي أيْ “عمُّو” من خلال الرسائل الخاصة، وكانت تبدأ بالدعاء السَّخيِّ لي ولأسرتي في كلِّ جوانب حياتي...هكذا، نَسجَت علاقتي بـ”عمُّو” (أبي الافتراضي) خيطانًا تَماسكَت على مرِّ السنوات، لتصبح أسلاكًا متينة.
كانت لـ "عمو" مَلَكة عظيمة. فمع أنه لا يراني، إلّا أنه كان يستشفُّ من تغريداتي ألمًا جسمانيًّا ألَمّ بي، أو ثقبًا في الروح وقع على حين غِرَّة. حينها، يبادر إلى رسالة يُهوِّن فيها من المصاب، ويُطْنِب في نصحي بتقليم حساسيتي المفرطة، وبوضع خطة “باء” لمخرج طوارئ مستعجل.
عمّو عطوف، رحيم، كريم، غير فضولي، عزيز النفس، قادر على تقييم مسافة القرب متى تبدأ وأين يجب أن تقف. أخذَت علاقتنا الافتراضية -التي لم أتحدث بها مطلقًا إلى مخلوق إلَّا من خلال هذا النص، بسبب اختفائه المفاجئ حين طال-، منعرَجًا كبيرًا، حين فقدتُ عمي الوحيد قبل 3 سنوات بسبب السرطان.