#قصة
فهد بن سعيد ( وحيد الجزيرة ) . استمعت لأم كلثوم وعبد الحليم وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة وعشقت فنهم وأدمنت نعيمة سميح المغربية وأدمنت الفيس برسلي وسمعت مايكل جاكسون وأدمنت طلال مداح ومحمد عبده ثم حدث في حياتي من الغربة والضياع فلم أجد مؤنساً لي إلا صوت ابن سعيد ، قطعت الطرق وحيدا ولم يكن لي من رفيق إلا ابن سعيد ، لم أجد تعبيراً بالغا عن حالتي النفسية في تلك الأيام إلا وحيد الجزيرة . الغريب هو أنني كنت اتعجب ممن يسمع لابن سعيد وربطت ذلك بالفقر الثقافي والفني . ابن سعيد تستمع له للمرة الأولى لن تتقبله، ما أن تكرر سماعه حتى يستوطن رأسك . نحن في المجتمع السعودي نغرم بالثنائيات أسود وأبيض ، طلال ومحمد عبده ، هلال ونصر وهكذا فإن ابن سعيد جاءت ثنائيته مع بشير حمد شنان . ابن سعيد هو الفن الشعبي السعودي الذي يعبر عن الرفض والتمرد، أقول ذلك لأنه خرج عن المألوف بالألحان الشعبية ووظف الكلمة الشعبية الدارجة التي لايغنيها الفنانون الذين يرون أنهم كبار . هذه المفردات هي كلامنا الذي نتداوله ( خلاص من حبكم يازين عزلنا ) (ياناس حبيت واحد ) ( من منطلق حبي لك العام واليوم ) (ياليت بعض العرب يسمح يحاكيني ) ( عشرة سنين ). ارتبط ابن سعيد بمفهوم غلب على فترة الثمانينات الميلادية وهي ( العربجة ) وهي تعني الشاب اللامبالي الذي يقترف كل شيء فتجد أشرطته مع الشباب وارتبط بالداتسون ( العراوي ) وهي نفس شخصية الدرباوي المعاصرة أو الزاحف . وكان هناك من يتفنن بتنزيل السيارة الى أدنى مستوى وبعضهم يضع نسافات وشطرطون وغيرها فكان صوت ابن سعيد مما يكمل الصورة . لذلك كانت تلك الفترة تمثل الشباب المتمرد المتصادم مع المجتمع ولا أنكر أن هناك فئة كبيرة تعشق فن ابن سعيد من غير الشباب ، أغاني فهد للبعض سلوى وللبعض ذكرى وللبعض رفيق الطريق ولآخرين تحدي للناس .
ولد فهد بن عبد الله بن سعيد الدوسري في الدلم عام١٣٦٠ هـ . وكان والده يعمل بالزراعة في القصيم . والده عبد الله بن سعيد كان شديدا وقاسيا عليه ولكن هذا الأب توفي وفهد ابن ثمان سنين فنقلته والدته معها إلى الرياض عند أخواله ( آل السيف ) وكان ابن سعيد يعمل ببعض الحرف اليدوية لمساعدة والدته . في الرياض بدأ يسمع الاسطوانات ويردد خلفها لكن سخرية أصدقاءه جعلته يقلع عن الغناء وهذه السخرية يواجهها من يعشق ابن سعيد في ذلك الزمن ويرون أن مايقوم به هو طقطقة وازعاج . حذرته أمه أن يغني باسمه الكامل واستجاب لها ولم يذكر إسمه إلا بعد أن ماتت فأطلق على نفسه ( فهد بن سعيد ) ثم لقّب نفسه ( فتى الوادي ) قبل أن يطلق عليه عبد الله السلوم لقب ( وحيد الجزيرة ) وكان هذا لقب السلوم نفسه . كان ابن سعيد يجد في الفن تعبيرا عن حزنه ووحدته وضياعه ويظهر ذلك في مواويله التي ينبع منها الحزن . بعد وفاة أمه امتهن عزف السمسمية . عندما سمع شبابا يعزفون على العود وهو يعمل بنخيل مزرعتهم أُغرم بالعود وجمع مالا من عمله بالنخيل وسافر للطائف لمدة خمسة أيام حتى يشتري العود وبدأ يعزف واستمع له موظف في المالية بامارة الرياض ( فهد جابر ) ونقله إلى مجلس الشاعر سليمان بن حاذور وهو شاعر شعبي مشهور وله قصائد مشهورة مثل ( أنا البارح على الذكرى لي
سرى البرّاق وعيوني تخيله ) و ( مريت بيت للمحبين مقفول ) و ( فكرت والمكتوب مافيه حيلة ) وهذه غناها ابن سعيد . ابن حاذور رائد لون السامري شعرا . وفي مجلسه قابل الفنان عبد الله السلوم الذي تبنى ابن سعيد وقدم له الألحان ومنحه لقب ( وحيد الجزيرة ) . وفي مجلس ابن حاذور قابل فنانا مثقفا هو أبو سعود الحمادي والعازف ( فرج الصليح ) وهو الذي عزف له أغنية من أجمل أغاني ابن سعيد ( ياصاحبي مافي المحبة تخفي ) وهذه من المفضلات لدي . وتأثر ابن سعيد بسلامة العبد الله وسالم الحويل وهما من أوائل الفنانين الشعبيين . غنى ابن سعيد لسليمان بن حاذور ٤٠ قصيدة ولم ترَ النور ، لم تجد الصدى المناسب أو ضاعت . كان ابن سعيد مثابر ومكافح وقضى ست سنوات لم يشتهر ولم ينجح له أي عمل وهذا كفيل لو حدث لأي فنان أن يقلع ويترك الفن . بل تذكر إن ابن سعيد غنى قبل بشير بفترة لاتقل عن ٥ سنوات وبشير زميله بزغ نجمه واشتهر ، ظهرت له أول اسطوانة عام ١٩٥٩ م ( زمة نهد ) ولم تصادف أي نجاح . أصدر بعدها ٦ اسطوانات وكلها مصيرها الفشل وأعود وأكرر لاتكتفي بسماع ابن سعيد لمرة فأنت ستحكم عليه حكم خاطئ ومرة راهنت على سماع أغنية لأحد المشككين وقلت له اسمعها مرتين وثلاث وستجد أن الموسيقى تدور براسك . بعد فنرة خمس أو ست سنوات من هذا الفشل خرجت اسطوانة عام ١٩٦٤ م ونجحت وهي ( فكرت والمكتوب مافيه حيلة ) كلمات ابن حاذور وطبعت بـ ٥٠٠٠ اسطوانة وبيعت الاسطوانة بـ ٣٠ ريال . من بعد هذا النجاح اشتهر ابن سعيد ومن ثم جاءت رحلة لبنان عام ١٩٦٦ م وهي أول سفرة لابن سعيد خارج المملكة وغنى فيها .