مساء الخير.
في طفولتي لم يرزقني الله المال، كل ما أوتيته في الدنيا ريالين تعطيني إياها والدتي كل صباح وأنا ذاهبٌ إلى المدرسة، من الصف الأول الإبتدائي حتى الصف الثالث المتوسط، وفي الثانوية آتتني جزاء صبري زيادة سنوية على المصروف الأساسي 50 بالمئة.
صار مصروفي ثلاثة ريال.
فيظهر لكم جليًا ضِيق حالي وقلّة ذات يدي في ذاك الزمان.
ولا يمثلني فيه إلا قول الشاعر:
لو تعصرين سنين العمر أكملها، لَسال منها نزيفٌ من جراحاتي ..
لو كنتُ ذا ترفٍ ماكنتِ كارهةً حبي، ولكن ضِيق الحال، عُسر الحال .. مأساتي
والله يعلم أن نفسي كانت كريمة، ولكن يدي قصيرة، وسمعت مرةً بحديث سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه من شدّة كرمه كان يدعو: اللهم اغنني فإن الفقر لا يصلح لي ولا أصلح له.
فاتخذت هذا الحديث منهاجًا وطريقًا لي في أول النهار وآخره.
وكل كرم النفس ذاك وكل تلك الأحاديث والدعوات والتدلّل في وصف التقشّف واستملاحه، لا يتعارض أبدًا مع دناءة نفسي في طفولتي وأخذ الأموال بغير وجه حق من أبناء جيلي أبناء الطبقات المخملية أصحاب الخدود المختضّة شديدة الإحمرار، الذين إن ابتسموا اختفت أعينهم تحت خدّهم.
في يومٍ من الأيام أتى منزلنا جَمعٌ غفيرٌ من أقاربنا في عزيمةٍ رسمية، وكان أحد ابنائهم من أصحاب تلك الخدود، إذا مشى اختضّ خده، أحلف أنه لو ضحك لسال الدم من خدوده.