في سعينا المستمر لفهم العلاقة بين الصحة البدنية والصحة النفسية، برزت دراسات حديثة كرافد مهم لهذا المجال العلمي. يهدف هذا المقال إلى تقديم نظرة عميقة ومتعمقة حول التأثير الإيجابي للنشاط البدني المنتظم على الصحة العقلية والنفسية لدى البالغين.
أظهرت الدراسات الحديثة أن المشاركة المنتظمة في الأنشطة البدنية يمكن أن يكون لها تأثير كبير ومباشر على الحالة الذهنية والعاطفية للأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين سن الرشد. يعمل النشاط البدني كأساس قوي لتحقيق التوازن العام لصحة الإنسان، ولهذا فإن فهم آليات هذه العملية يعد أمر بالغ الأهمية.
البحث الأول الذي نود استكشافه يدور حول كيفية مساعدة الرياضة والتمرينات على تقليل مستويات القلق والأعراض المرتبطة بالاكتئاب بشكل ملحوظ. أفادت العديد من التحليلات الشاملة للدراسات السابقة بأن الأشخاص الذين يمارسون تمارين منتظمة عادة ما يعانون بدرجة أقل من أعراض الاكتئاب والقلق مقارنة بغير المشاركين فيها. فمن الواضح أن الضغط النفسي الناجم عن تمرين الجسم بصورة صحية يساعد الدماغ أيضاً في التعامل مع حالات الضغط الداخلي والاسترخاء البطيء للعضلات يحسن الهدوء العقلي.
بالإضافة لذلك، هناك جانب آخر مدهش وهو كيف تساهم التدريبات الرياضية المكثفة (مثل الجري وركوب الدراجات) في إنتاج مواد كيميائية طبيعية تسمى "الإندورفين"، والتي تعمل كمُسكنات طبيعية للجسم وتساعد في تحسين مزاج الشخص وتحفيزه. تلعب هذه المواد دوراً رئيسياً في تنظيم المood وتعزيز الشعور بالسعادة والرضا.
وعلى الصعيد الاجتماعي، تعد مشاركة الفرد بنشاط بدني ضمن مجموعة نشطة أحد أكبر المقومات التي تدفع نحو صحة نفسية أقوى؛ إذ تشير البحوث إلى وجود علاقة طردية واضحة بين قوة العلاقات الاجتماعية ونشاط الفرد البدني المنتظم وبينهما وبين سلامته النفسية العامة. وهذا الأمر ليس فقط بسبب المتعة المكتسبة - رغم أنها عامل هام أيضًا – ولكنه أيضا يفسر تأثيرات مثل زيادة الثقة بالنفس والمصداقية الذاتية وغيرهما مما ينتج عن تلك البيئات المجتمعية الصحية والداعمة لكل منهم الآخر خلال أدائه لتلك الأنشطة المشتركة.
وأخيرا وليس آخراً، يجب التنبيه هنا إلى أنه رغم كل الأدلة الرائدة المبينة أعلاه إلا أنها ليست حلاً شاملاً لأزمات الصحة العقلية الخطيرة ولا هي يمكن اعتبارها عوضاً طبياً ضرورياً عنها إن وجدت بالفعل. ومع ذلك فهي تعتبر إضافة ممتازة لأي خطط علاج متكاملة وقد تكون بوابة جيدة للمبتدئين الراغبين بخوض تجربة رياضية مفيدة لهم ولنفسياتهم الداخلية كذلك!
ختاما، يبدو واضحاً الآن مدى ارتباط مفهوم الحياة الصحّـية اتجاهين مختلفين لكنهما مرتبطان بما يسميه الخبراء الآن "الصِـحَّة الوقائية". فالتركيز المضاعفات المحتملة للحالات المرضية الخطيرة سواء كانت جسمانية أم لم يكن وحماية المرء منها قبل أن تبدأ جميع هذه الأمور تقع تحت مظلة واحدة وهي الحفاظ علي مستوى عالٍ وكافيٍ لدينا دائماً وعليه بالتالي أصبح الوقت الأنسب بكثير لاتخاذ قرار بسيط ولكن له آثار بعيدة المدى للغاية: القيام بذلك اليوم واتخاذ أول خطوة نحونا طريق حياة أجمل وأكثر سعادة وصحة بإذن الله تعالى!