تعتبر مادة الزئبق واحدة من العناصر الغريبة والمدهشة التي عرفتها البشرية منذ القدم. منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا، كان للزئبق حضور بارز في مجالات الطب والكيمياء والفلك وغيرها الكثير. ولكن مع كل فوائده المحتملة، يرافقه أيضا سلسلة طويلة من المخاطر الصحية التي تحتاج إلى الوعي والتقييم الدقيق.
في البداية، يجب أن نتناول القصة الطويلة والمتشابكة لتاريخ الزئبق الطبيعي. يُعد العنصر الثمين الذي يسمى "الكويبرس"، وهو عبارة عن خليط طبيعي من الزئبق والكبريت، أول شكل معروف لاستخدام الزئبق في مصر القديمة وحضارات الشرق الأوسط الأخرى. تم استخدام هذه المركبات كمواد تجميل وعلاجية ولأغراض دينية أيضًا.
وفي الصين خلال القرن الثاني الميلادي، بدأ الصينيون باستخدام الزئبق النقي في الطب والصياغة. وقد اعتقدوا أنه يمكن تحويل الرصاص إلى ذهب - وهي عملية تعرف الآن بأنها كذبة في عالم الكيمياء. ومع ذلك، فقد كانوا يستخدمونه بنجاح في صناعة حُلي ذهبية مزيفة.
انتقل لاحقا مسار استخدامات الزئبق نحو الجانب السلبي عندما اكتشف الأوروبيون طرق إنتاج الزئبق الصناعي بشكل كبير خلال عصر النهضة. أدت هذه الخطوة إلى توسيع نطاق الاستخدامات بما فيها الصباغة (حيث يتم تصنيع الأحمر البرليني)، وتنقية الذهب، وصنع الفضة البيضاء المستخدمة في الخزف. لكن ارتفاع معدلات التعرض لهذه المواد كانت لها آثار صحية سلبية كبيرة بين عمال المناجم والعمال الآخرين الذين يعملون بالقرب منها.
ومع مرور الوقت، أصبح الضرر الناجم عن التعرض طويل المدى لمستويات عالية من الزئبق واضحا تماما. فهو قادر على اختراق حاجز الدم والدماغ مما قد يؤثر بشدة على الجهاز العصبي والجهاز المناعي والقلب والأوعية الدموية لدى الإنسان. بالإضافة لذلك، فإن بعض أشكال الزئبق مثل مركب ميثيل الزئبق سام جدا حتى بمستويات قليلة للغاية.
اليوم، وعلى الرغم من المعرفة الواسعة حول مخاطر الصحة المرتبطة بالزئبق، إلا أنه لا زالت هناك العديد من التحديات المتعلقة بإدارة ونقل وإعادة تدوير المنتجات المصنوعة منه بطرق آمنة بيئيًا وصحيًا. إن فهم التاريخ الطبيعي لهذا العنصر والتعرف بدقة على الآثار السلبية لأشكاله المختلفة أمر ضروري لحماية صحة المجتمع العالمي والبيئة بشكل عام.