أريد أن افهم ظاهرتين متناقضتين تماما رغم كونهما ممحددتين للمنزلة التي يشغلها العرب-بالمعنى الإسلامي وليس بالمعنى العرقي أي كل من اصار لسانه عربيا-في الجغرافيا التي تلتقي فيها القارات القديمة الثلاث: افريقيا وآسيا واوروبا إذا اعتبرنا تركيا منها لأنها كانت بيزنطية قيل فتحها.
ما الذي يجعل العرب بهذا المعنى ممثلين للمنطقة الرخوة ماديا لأنها لم تتمكن من تكوين وحدة سياسية مستقرة والاقوى ماديا لكونها تثمل بفضل الإسلام خاصة الاساس الروحي لكل دار الإسلام وشعوبها رغم التنوع شبه اللامتناهي من القوميات والاثنيات والتاريخ المتقدم على الإسلام: اريد فهم ذلك.
قبل نزول القرآن كانت الجزيرة العربية محادة للقارات الثلاث بهذا المعنى وهي مفتتة بين مثلث يسيطر عليها أي فارس وبيزنطة والحبشة وزوج خارج عن هذه السيطرة هي القبائل أولا والمركز الروحي الموحد لها بما تتميز به دينيا عن المسيطرين الثلاثة عليها من خارجها إلى حين نزول القرآن الكريم.
نحن إذن أمام ظاهرتين: حال الجزيرة العربية قبل نزول القرآن وحالها بعده. ولما كنت استعمل منطق التاريخ المديد وليس القصير فإني لا أصدق أن التحول الذي انتجته الرسالة الخاتمة كان المؤثر الوحيد بل هو حتما حصيلة مزدودة مما سبق عليها ومما نتج عن فعلها في ثقافة الشعوب التي أسلمت وتعربت.
ولكن حتى التي لم تتعرب وإن حافظت على ثقافتها ولسانها فإن ذلك لم يدم طويلا لأن ثورة عبد الملك بن مروان والحجاج هي التي جعلت ثقافة الأقليم المادية (العملة) والروحية (اللغة)عربية بصورة حالت دون كل ردة على الإسلام تقع من خارج هذيه العاملين اللذين صارا عربيي بفضل الخلافة الاموية.