في هذه الفتوى، نتعرض لقضية حساسة ومؤثرة للغاية تعيشها إحدى الأخوات العزيزات والتي تشكو فيها من تجاهل والديها لها ولعائلتها الصغيرة عندما كانت طفلة صغيرة. يرثي القلب لما تعرضت له تلك الأسرة من ظلم وقسوة من جانب الأب الذي أهملها وزوجاته الثانية ومنزلتها الجديدة على حسابهن. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن الإسلام يحفظ حقوق الآباء حتى لو ارتكبوا الذنوب والمعاصي.
الأمر غير جائز شرعًا أن يقابل البنات بناتك الطبيعة بالحقد والكراهية تجاه آبائهن فقط بسبب تصرفات خاطئة. صحيح أنها مررن بتجارب مؤلمة ومزعجة، ولكن ديننا الحنيف ينهانا عن الاستجابة للعقوق وعقاب الأبناء لأولياء أمرهم بغض النظر عن حجم الخطايا المرتكبة بحقهم. يقول القرآن الكريم " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون". وهذا يعني أنه رغم سوء تصرفات الوالدين، يجب الاحتفاظ بمكانتهم واحترامهم وعدم قطع صلتهم بهم مهما بلغ الضرر.
ومع ذلك، هناك تفريق واضح بين الحقد القلبي والبغض الفعلي والعقلي. فالنفوس البشرية عرضة للمشاعر الإنسانية العميقة مثل الغضب والحزن نتيجة لهذا الوضع المؤرق. هذه مشاعر طبيعية وقد تحدث حتى لمن يؤدون واجباتهم نحو ذويهم بالقدر المناسب. لكن المهم هنا التحكم واستخدام النفس بشكل مناسب لمنع انتقال تلك الأحاسيس السلبية للآخرين سواء عبر الأفعال والكلمات وردود الفعل العنيفة. والأفضل دائمًا طلب المغفرة والتسامح والصفح لدى الرب العالم بخفايا قلوب عباده. وفي حالة وجود فرص لإصلاح ذات البين والمصالحة، فهذه خطوة مباركة تساهم بإذن الله في طي صفحة الماضي وتعزيز روابط المحبة والعطف داخل الأسرة الواحدة. نتضرع بالمقام إذًا بأن يسدد الله خطاكم ويلين قلب والديك ويعيده لمساره المستقيم لحماية حرمتك وحماية دور الوالد المؤثر والذي نرجوه أن يتميز بالإخلاص والتقوى والقرب للباري جل وعلى .