[عبرة التاريخ]
كان القدماء يرون أن العدالة الإجتماعية تنشأ عن فكرة مجردة تخطر ببال الحكام فيندفعون بها في طريق العدل. وهذا الرأي لا يستسيغه المنطق الإجتماعي الحديث. فالفكر المجرد عاجز عن توجيه سلوك الإنسان. وما الإنسان في الغالب إلا آلة بيد ظروفه النفسية والإجتماعية والحضارية.
إذ لا يستطيع الفكر أن يؤثر في سلوك الإنسان إلا ضمن نطاق محدود جداً.
إن العدالة الإجتماعية لا يمكن تحقيقها بمجرد أن تعظ الحاكم أو تخوفه من عذاب الله. فالحاكم قد يخاف الله أكثر منك وهو قد يعظك كما تعظه ويتضرّع بين يدي ربه مثلما تتضرّع.
وأنت لو وعظته ألف مرة لبقي كما كان - يظلم الناس ويقول ساعدني يا رب!
العدالة ظاهرة إجتماعية لا تتأتى في مجتمع إلا بعد تنازع الحاكم والمحكوم فيه. إن الحاكم لا يستطيع أن يكون عادلاً من تلقاء نفسه، إذ هو قبل كل شيء إنسان، فيه من نقائص الطبيعة البشرية ما في غيره.
وهو مهما كان تقياً في أعماق نفسه فإنه لا يفهم العدل كما يفهمه رعاياه القابعون في الأكواخ البعيدة.
الإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان. وصديقك الذي تستعذب حديثه وتستطيب مظهره وأدبه، قد يكون من أظلم الناس إذا تولى زمام الحكم. هو الآن طيب لأنه بعيد من مباهج الحكم. وأنت لا تدري ماذا سوف يفعل إذا جلس على الكرسي وحف به الجلاوزة والجلادون من كل جانب.