في أعماق الدماغ البشري تكمن قوة مذهلة تُطلق عليها اسم "الذاكرة"، وهي قدرة معقدة تتضمن تخزين وتذكر التجارب والمعرفة عبر الزمن. ولكن كيف تتمكن هذه القدرة من الاستمرار حتى عندما نكون بعيدين عن المواقف التي خلقنا بها؟ هذا ما يُعرف بالذاكرة طويلة الأمد. إنها العملية الحيوية التي تتيح لنا الوصول إلى ذكريات الماضي الغابر والاستناد إليها في حياتنا اليومية.

تركز العلوم الحديثة بشكل متزايد على دراسة آلية العمل المعقد لهذه العمليات الذهنية الفريدة. تبدأ رحلة الذاكرة عند نقطة التقاط التجربة الحسية - سواء كانت سمعية، بصرية، شمية، لمسية، أو حركية. يتم تحويل هذه المنبهات الخارجية إلى إشارات كهربائية ومواد كيميائية يمكن للدماغ فهمها ومعالجتها.

ثم يأتي دور الخلايا العصبية (أو الأعصاب) داخل دوائر دماغية محددة مثل القشرة المخية الأمامية والقشرة الحزامية الأمامية والحصين. تقوم هذه الخلايا بإعادة تمثيل الروابط بين مناطق مختلفة من الدماغ بناءً على نمط النشاط الذي تم إنشاؤه أثناء الحدث الأصلي. وهذا يسمح للذكريات بأن تصبح جزءاً من شبكة عصبونية دائمة ومترابطة.

ولكن ماذا يحدث خلال مرحلة "التثبيت" حيث تمر الذكريات القصيرة المدى بهذه التحولات الدقيقة لتتحول إلى ذاكرة طويلة الأمد؟ هنا يلعب بروتين يُدعى "Synapsin I" دوراً رئيسياً. يتواجد سينابسن I بكثافة أكبر حول نهايات الشجرة العصبية المرتبطة بمواقع التشابك العصبي حيث تحدث عملية التواصل بين خليتين عصبيتين مجاورتين.

خلال فترة التثبيت، يرتفع مستوى نشاط سينابسن I مما يساعد في تنظيم كميات الناقلات العصبية المتاحة للتواصل بين الأعصاب المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الإنزيمات الأخرى دوراً هاماً أيضاً؛ حيث تعمل هيدروليز بوسفايديستاز-1على تقليل مستقبلات غلوتاميت - وهو حمض أميني مهم جداً مرتبط بالحالات النفسية والعضلات الهيكلية والكثير غيرها-. بينما يقوم بروتين CREB بتنشيط نسخ الحمض النووي الريبوزي mRNA والذي بدوره يؤثر على تركيب البروتينات الجديدة المسؤولة عن تشكيل الذاكرة طويلة الأمد.

هذه هي فقط بعض مكونات اللغز العلمي الواسع حول كيفية عمل الذاكرة طويلة الأمد وكيف يمكن لقوى الطبيعة الصامتة أن توفر لنا سجلًا للأحداث والنكسات والتجارب التي شكلتنا نحن البشر وما زالت تؤثر علينا حتى الآن.