من طبيعة الوعي أنه إذ ائتلف مع الأشياء لقربها، يتوقف عن تأملها، ومن ثم رؤتها كما يجب، وتقدير حقها كذلك. فرويد كان يرى بأن الكثير من الأشياء القريبة منا هي في الواقع بعيدة عنا،وكأنها جار متنكر.
وقد يفسر لماذا نقدر الأشياء حق قدرها عندما تغيب عنا، ويفسر كذلك جزءا من مرارة الفقد.
لذا ميرلوبونتي في بحثه المعمق عن الوعي والإدراك رأى أن دور الفلسفة هي أن تعيد النظر في الأشياء بالوجود (سيما تلك اليومية كالجسد وتموضعاته في المكان والزمان)، كي تظهر مرة أخرى، وإن بحلة جديدة!
اللافت في هذا الشأن، أي الحقيقة كمطلق هي مخفية دوما، لأنها تحوط بنا دوما، أقرب لنا من حبل الوريد بالوصف القرآني، ساطعه لدرجة أن تحجب الأنظار عنها، لقربها.
تنبه الصوفية لذلك، من هنا قوة حقيقة حضور الله هو في خفائه، لا في ظهوره، ومن هنا لا تدركه الأبصار، لأنه دوما هنا كمطلق.
ومن هنا رأوا أن المنطق الصوري والعقل الاستدلالي يعجز عن قبض الحقيقة المطلقة، إذ هو يعمل فقط في القبض على الجزئيات، لا المطلق، وكذا رأى هيدجر كذلك، أن الوجود المطلق هو عن الاحتجاب أكثر من الظهور، لأنه ليس مقولة، بل كل شيء، لدرجة أنه لا شيء، فليس كمثله شيء.
لذا رأوا أنه لابد من تبني منهجا معرفيا آخر، غير منهج المتكلمين والفلاسفة لمعرفة الله، سموه بالكشف والعرفان، ومدار "الحق" كما لدى ابن عربي ليس العقل، وإنما القلب.