تأملات
[١] كنت جالسًا بين بُنيّاتي أشتغل، بينما انهمكن في مسلسل عن مدرسة لصغار الساحرات. التفتُّ إلى علياء ابنتي فإذا بفمها يتقوّس إلى أسفل منذرًا بالمطر، ثم إذا بها تنفجر باكية. سألت بانزعاج عمّ كدّرها، قالت أختها إنّ إحدى الطالبات أشارت بعصا سحرية إلى هرّة فاختفت فجأة: ووش! https://t.co/dguxRj1CWF
حاولت تهدئة الصغيرة فلم أفلح، شرحت لها أنّ الهرّة لا بدّ انتقلت إلى مكان آخر كغرفة الطالبات أو القصر، أنّها في حال حسنة تشرب الحليب، وتلعق براثنها، وتنام بعمق، لكنّ شروحي لم تجدِ نفعًا. لم يتوقف بكاؤها إلا حين رجعنا القهقهرى وأريناها هرّتها على الشاشة، حينها فقط اطمأنت وابتسمت.
[٢] ماذا أبكاها؟ لم يكن في اللقطة ما يشير إلى تألّم الهرّة قبل أو بعد الاختفاء، كما أنّ السياق كوميدي بالكامل وتصاحبه جوقة ضاحكة. لقد سبق أن شاهدتْ أفلامًا تناسب عمرها، حيث تتسلل أحيانًا بعض مشاهد الفقد أو الرحيل دون أن تثير ردّة فعل كهذه. لماذا أزعجها اختفاء الهرّة هكذا؟
[٣] لكنّ تلك اللقطة -رغم براءتها وكوميديتها- لا تخلو من عنف، بل إنّ فيها ضروبًا عدّة من العنف: هناك عنفٌ ارتُكِب ضد الهرّة؛ ضد حرّيتها تحديدًا، إذ فجأة، وبهزّة عصا، انعدمت الهرّة، هكذا ببساطة، دون أن تُخيّر أو تُنذر، وكان في فُجَاءة هذا الانعدام ما يُعزز إحساس العنف المرتكب ضدها.
وهناك عنفٌ ارتُكب ضد منطق طفلتي الصوري، ذاك الذي كوّنته على مدى سنتين ونصف، والذي جعلها تفترض أنّ المادة الممتدة في الفضاء تتغيّر أو تتحرك، لكنها لا تنعدم فجأة! العالم محلٌ مخيف، نقضي أعمارنا فيه محاولين فهمه ونظمه في قوانين تحكمه، فإذا كُسِرت أبرز مسلّماتنا من الطبيعي أن نجزع.