أنا ابن حي التضامن. ولدت وترعرعت داخل أحيائه العشوائية وفي ثنايا فقره اللعين. كان مكان المجزرة (بنايات دعبول) مرتعاً لنا ونحن صغار. هي كانت بساتين للذرة نختبأ بداخلها هرباً من المدرسة. يملك معظمها رجل اسمه محي الدين. لطالما ظل يلاحقنا ونحن نسرق ذراه حتى قبل موسم الحصاد.
كنا نسمي الذرة البيضاء "العرانيس"نقوم بشوائها على نار نشعلها ببقايا قطع البلاستيك.بالقرب من مكان المجزرة كان ثمة ملعب ترابي تُقام على أرضه دوريات كرة القدم.جزء من سكان الحي هم من الأقلية التركية أو من يطلق عليهم"التركمان"ينحدرون من مرتفعات الجولان.استوطنوا هناك بعد نكسة عام 1967
كان اسم فريقنا "يلدز". كان للمنحدرين من محافظة دير الزور فريقهم أيضاً وللأدالبة والحوارنة كذلك. حماسة الدوري حينها كانت تفوق حماسة دوري أبطال أوروبا.
درست في ابتدائية أحمد حمدان. تقع على بُعد أمتار قليلة من مكان المجزرة. نصف طلبة المدرسة كانوا من سكان شارع نسرين. كنا نجلس على مقاعد دراسية واحدة. لم نكن نعلم حينها أنهم سيصبحون في يوم ما قتلة ومجرمين ويتحولون إلى وحوش بشرية.
نحن نعلم كل تفاصيل المجزرة منذ أيامها الأولى.كان القتل طائفياً بامتياز.أقربائي(عمتي وابنتها وحفيدتها) أُحرقوا وهم أحياء. جيراني(استاذ مادة التربية الرياضية وكابتن فريق يلدز اسماعيل طعمة وزوجته وأولاده،أمل طعمة وأخواها الشابين) قُتلوا بدم بارد. عائلات بكاملها اختفت من الحي البائس.