الطريق الى الديرة-4
لاح الصباح وأذن الديك وصاح واشرقت الشمس على البطاح -وهذا السجع ليس من كلامي-، فبدت القرية بمظهر آخر، بدت فاتنة خلابة، فالبيوت الموحشة التي نزلناها ليلا جميلة ومبنية من الحجر وكذلك الحقول الزراعية (الركبان) مما يدل على أن القوم قد كانوا يشيدون للزمان والأجيال
كان الوادي أخضرا والجبل المطل عليه أحمر اللون والسماء زرقاء صافية، منظر بديع يذهب بالألباب ومع ذلك لم يكن كافيا لفرص العمل مما دفع الشباب للهجرة الدائمة أو المؤقتة الى المدن بحثا عن الرزق، زرت القرية قبل سنين فوجدتها غير التي عرفت!، ثم قطعت زياراتي احتراما لذكراها في مخيلتي شابا.
بعد الإفطار كانت البداية بمرافقة والدي رحمه الله وعمي عافاه الله في زيارة لمرقد أبيهما وأمهما -الذين حدثتكما عنهما في منشور سابق-، بدا التأثر عليهما فقد فقداهما في أسبوع واحد -إثر وباء عم البلاد- وكان أحدهما مراهقا والآخر صبيا ويبدو أنه قد أنثالت عليهما ذكريات اليتم في زمن قاس.
ثم هبطنا سوق الباحة، فوجدنا السوق بدائيا الا أنه في غاية الانضباط والترتيب، لا يوجد محلات تذكر -كما هو الحال في سوق بلجرشي- بل تجمعات لأصحاب التجارات مفروشة على الأرض، وكانت هناك سيدات كبيرة في السن - يغطين وجوههن ويلبسن عبايات- يضعن أمامهن ثيابا نسائية أو حلي وكان منها الجزع!
الجزع هو حجر العقيق المخطط وكان من أفضل المجوهرات لدى النساء آنذاك وليس الذهب الغالي والنادر، ثم تأتي بقية أقسام السوق الاخرى حيث يأتي الباعة من قراهم بمحاصليهم ومنتجاتهم وحلالهم لبيعها في السوق لأحسن سعر، وكانت الحركة وطرق التفاهم بين الباعة والمشترين ملفتة لنا!، غريبة علينا.