مع تزايد اعتماد المجتمع العالمي للتقدم التكنولوجي الهائل، برزت تساؤلات ملحة بشأن التأثيرات المحتملة لهذه التقنيات على صحتنا العقلية. أجرت مجموعة بحثية دولية دراسة مكثفة لتقييم مدى العلاقة بين الاستخدام المكثف لأجهزة الاتصال الرقمية وصحة الإنسان الذهنية. تتناول هذه الدراسة موضوعاً بالغ الأهمية، خاصة مع انتشار الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والتلفزيونات عالية الدقة.
استند البحث إلى بيانات تم جمعها من عينات تمثيلية متنوعة جغرافياً واجتماعياً وعمرياً. شملت أساليب البحث استبيانات موجهة ومتابعة طويلة المدى للمشاركين. وكانت النتيجة الرئيسية هي وجود علاقة ارتباط ذات دلالة إحصائية بين زيادة وقت الشاشة وانخفاض مستويات الراحة الداخلية والسعادة الشخصية. ويشير التحليل التفصيلي للنتائج أيضًا إلى أن الأشخاص الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات يعانون بشكل أكبر من أعراض الاكتئاب والقلق مقارنة بتلك القليلة في استخدام الإنترنت والمواقع الاجتماعية.
أحد جوانب الدراسة المثيرة للاهتمام كان التركيز على الفروقات الفردية في التعامل مع الضغط النفسي الناجم عن وسائل الإعلام الجديدة. فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون أن هناك مجموعتين رئيسيتين من المستخدمين بناء على طريقة توافقهم العقلي مع تقنية التواصل الاجتماعي المتطورة؛ "مستخدمو الشبكة الإيجابيون" هم أولئك الذين يستغلون الإنترنت لإدارة حياتهم وإقامة روابط اجتماعية قيمة وتعزيز نمط حياة نشيط وسعيد. بينما يشكل "المستخدمون السلبيون"، وعلى الرغم من اعترافهم بنفس القدرات التي توفرها الوسائل الإلكترونية، إلا أنها كثيرا ما تؤدي بهم نحو عزلتهم الذاتية وضعف تدريجي بقدراتهم الاجتماعية الحقيقية وبالتالي تأثر سلبيا بحالات القلق والإحباط.
ومن منظور الوقاية والعلاج، يقدم فريق العمل توصيات عملية تستهدف كلتا المجموعتين؛ تشدد تلك المقترحات على ضرورة إدراك المخاطر المرتبطة بالسلوك الزائد في الانغماس عبر العالم الرقمي وتوفير دعم متخصص للأشخاص المعرضين لمستويات غير صحية من المحنة الجنسية (cyberchondria). بالإضافة لذلك، يدعو الخبير الطبي الدكتور علي محمد عبد الله - أحد المشاركين الرئيسيين فى المشروع العلمي – باتخاذ إجراءات تنظيمية حكومية لتحفيز الثقافة الصحية الرقمية كممارسات يومية ضمن السياسات العامة داخل المؤسسات التعليمية وغيرها من الوحدات الحكومية ذات الطابع الاجتماعي والنقابي والنفسي كذلك...**