- صاحب المنشور: شرف الهواري
ملخص النقاش:يشهد العالم تغييرات مناخية كبيرة تؤثر بشدة على الأنظمة البيئية والاقتصاديات العالمية. وعلى الرغم من أن هذه التغييرات تتسبب في تحديات هائلة لجميع البلدان، إلا أنها تلقي بظلالها بشكل خاص على الدول العربية ذات المساحات الشاسعة الصحراوية والموارد الطبيعية الحساسة للمناخ. إن التأثيرات الاقتصادية لهذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة طويلة المدى بل هي بالفعل حقيقة تفرض نفسها الآن.
من أهم المؤشرات الأولى لهذا التأثير هو الزيادة المتوقعة في تكلفة الأمن الغذائي بسبب الجفاف وانخفاض خصوبة التربة. حيث تعتمد العديد من الدول العربية بشدة على الصادرات الزراعية مثل القمح والبقوليات والخضروات، والتي تحتاج إلى ظروف رطوبة معينة للنمو. وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المتزايد، ستواجه هذه المناطق انخفاضا تدريجيا في إنتاجيتها الزراعية مما سيؤدي مباشرة إلى زيادة الطلب العالمي على المنتجات المحلية وبالتالي ارتفاع الأسعار المحلية أيضا.
الصناعة والسياحة: القطاعات الأكثر عرضة
بالإضافة إلى قطاع الزراعة، فإن الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على موارد المياه سوف تتضرر بدرجة أكبر نتيجة للتغيرات المناخية. ففي دول الخليج العربي مثلاً، تعد الطاقة الكهربائية أحد أكبر مستخدمي المياه. وقد أدت ندرة المياه هناك أصلا إلى اعتماد واسع النطاق على عمليات تحلية مياه البحر المكلفة للغاية ومن ثم فهي غير قادرة عموما على تحمل أي زيادات أخرى في كلفتها. كما سيؤدي نقص المياه أيضًا إلى تقليل توافر الطاقة الكهرومائية، وهو مصدر مهم لإنتاج الكهرباء خاصة خلال أشهر الصيف شديدة الحرارة والعاصفة.
بالانتقال لدراسة تأثير تغيرات المناخ على السياحة - وهي واحدة من أقوى الروافد الاقتصادية بالدول العربية - يمكن رؤية آثار متعددة الجانب أيضاً. فالطبيعة الفريدة ومواقع التنزه والحياة البرية الغنية الموجودة حالياً قد تختفي أو تصبح أقل جاذبية بحلول نهاية القرن الحالي إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة التصحر وتلوث الهواء والشاطئ وغير ذلك من العوامل الضارة. ولذلك فإن بقاء هذه الأعجوبات الطبيعية أمر ضروري لنجاح الدخل السياحي المستقبلي للدولة.
الاستجابة والتكيف الأمثل
ويبدو أنه الوقت الأنسب لأخذ خطوات جريئة نحو الاستعداد لهذه التداعيات المحتملة والكفيلة بتقليل حدتها قدر الإمكان. ويتضمن الأمر التعاون بين الحكومات والأوساط العلمية والصناعية لتحقيق هدفين رئيسيين وهما تطوير تكنولوجيا أكثر كفاءة وأقل استغلالاً للمياه وإيجاد طرق جديدة للإدارة الذكية للأراضي والاستخدام الرشيد للموارد سواء كانت طاقة أم غذائياً أم بيئياً عامة.
وفي حين يركز البعض عادة على الآثار القصيرة المدى للحاضر، ينبغي لنا كمجتمع عالمي التركيز بصورة متوازنة واستراتيجية على استدامة تطور مجتمعاتنا عبر عقود طويلة مقبلة بمستويات أعلى بكثير من البصمة الكربونية وارتفاع درجة الحرارة وما يتبعهما من مخاطر كارثية محتملة.