- صاحب المنشور: عبدالناصر البصري
ملخص النقاش:
في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتغير معها المواقف والأفكار، يظل الرأي العام محركًا رئيسيًا لعملية اتخاذ القرار السياسي. لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والمنصات الإعلامية المتعددة أكثر تأثيراً مما كان عليه الحال سابقاً، حيث تقدم نافذة مباشرة للمجتمع للمشاركة والمناقشة والتأثير على السياسيين وقادتهم المنتخبين. هذا التحول ليس مجرد ظاهرة عادية؛ بل هو تغيير جوهري يعكس ديناميكيات السلطة الجديدة وكيف يمكن للرأي الجماعي أن يشكل المسار المستقبلي للديمقراطية والحكومات التمثيلية.
يتضمن تحليل هذه الظاهرة عدة وجهات نظر متباينة. فمن ناحية، يؤكد المدافعون عن الديمقراطية بأن زيادة مشاركة الجمهور تعزز الشفافية والمساءلة السياسية. عندما يستطيع الناس الوصول إلى المعلومات بسرعة أكبر وبشكل مباشر، فإن ذلك يسمح لهم بفهم القضايا المعقدة واتخاذ قرار مستنير حول كيفية التصويت أو دعم أو رفض التشريعات المقترحة. وهذا الأمر يحول الحكومات نحو كونها أكثر استجابة لرغبات ناخبيها وأكثر حساسية لتوقعات مجتمعاتها المحلية والعالمية أيضًا. إن قدرة الأفراد للتعبير عن آرائهم بحرية عبر الإنترنت تجعل أصواتهم غير مرئية سابقا الآن ذات وزن كبير في العملية الانتخابية وفي تشكيل أجندة السياسة العامة.
ومن الجانب الآخر، هناك مخاوف مشروعة بشأن التأثير المحتمل للأخبار الزائفة والشائعات المنظمة والتي قد تستغل نقاط الضعف الموجودة لدى الجمهور لتحقيق أغراض سياسية خاصة بها. بالإضافة لذلك، فإن الاتجاهات التي ظهرت مؤخرا فيما يتعلق بتقسيم الفئات الاجتماعية وفقًا لأراء مشابهة تميل لإثارة الانقسام بدلاً من الوحدة الوطنية، وهو أمر مثير للقلق عند النظر بعناية داخل أي نظام ديموقراطي. هذه المخاطر ليست افتراضات خيالية ولكنها حقيقة واقعية أثبتتها أحداث عديدة حدثت خلال العقود الأخيرة.
لتقييم دور الرأي العام بشكل كامل، من الضروري البحث عميقًا في الآليات التي تعمل خلف المشهد الإلكتروني وداخل غرف الأخبار التقليدية. كيف يقوم الصحفيون بجمع البيانات وتحويلها إلى تقارير قابلة للاستهلاك؟ وما هي الوسائل المستخدمة لنشر الروايات المختلفة بين جماهير مختلفة ومتنوعة التركيبة؟ وهنا يأتي دور العلوم الاجتماعية وعلم النفس المعرفي لفهم أفضل لكيفية بناء الصور الذهنية للعالم والتفاعلات البشرية مع الأجهزة والإلكترونيات اليومية مثل الهواتف الذكية وغيرها.
بالإضافة لهذا كله، ينبغي التعامل بحذر شديد تجاه مسألة "الأكذوبة الكبرى"، وهي مصطلح جديد نسبياً يقصد به انتشار معلومات زائفة واسع النطاق بطريقة منظمة ومخطط لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي بهدف خلق رأي عام منحاز لصالح جهة ما ضد أخرى. وقد أدى ظهور مثل تلك التكتيكات الجديدة إلى زيادة الحاجة لحوكمة فعالة ومنصفة لأنظمة التواصل الاجتماعي لمنع الاستخدام الخبيث لهذه الأدوات وانتشار محتوى مضلل بطرق