- صاحب المنشور: عبدالناصر البصري
ملخص النقاش:في عصر الثورة الصناعية الرابعة حيث تكتسب التكنولوجيا دوراً حاسماً في جميع جوانب الحياة، برزت تقنية جديدة تحمل بين طياتها وعداً كبيراً ومخاطر محتملة: الحوسبة الكمومية. هذه التقنية التي تعتمد على خصائص الفيزياء الكمومية يمكنها معالجة المعلومات بطرق لم تكن ممكنة سابقاً، مما يفتح أبواباً واسعة أمام اختراقات متطورة قد تغير قواعد اللعبة بالنسبة لأمن الشبكات والبيانات.
الحوسبة الكمومية ليست مجرد تطوير لنظريات علمية؛ إنها تتحول بسرعة إلى واقع عملي. تتمتع أجهزة الكمبيوتر الكمومية بعملية حسابية فريدة تسمى "التراكب" و "التشابك". هذه العمليات تمكنها من معالجة مجموعة كبيرة من الاحتمالات بشكل موازي، وهو أمر غير ممكن بأجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية. هذا يعني أنه بينما يستطيع جهاز كمبيوتر عادي القيام بحساب واحد بسرعة عالية، يمكن لجهاز كمبيوتر كمومي القيام بملايين الحسابات في نفس الوقت.
كيف تتحدى الحوسبة الكمومية الأمن السيبراني؟
أهم ما يُخشى من استخدام الحوسبة الكمومية هو قدرتها على فك تشفير البيانات التي تحميها خوارزميات التشفير الحديثة مثل RSA وDiffie–Hellman. هذه الخوارزميات مستخدمة بشكل كبير في العديد من تطبيقات الإنترنت اليوم، من البنوك الإلكترونية إلى التواصل المشفر عبر الهاتف. لكن رغم فعاليتها ضد الهجمات العادية، فإن قوة الحوسبة الكمومية تُضعف تلك الدفاعات. الجهاز الكمومي قادر على حل مشكلات رياضية معينة بكفاءة أكبر بكثير مما تستطيع أي آلة كلاسيكية، وهذا يشمل مهمة تحليل الأعداد الأولية الضخمة المستخدمة لتوليد مفاتيح الاتصال الآمنة.
مستقبل الأمن السيبراني في زمن الحوسبة الكمومية
للوقاية من هذا النوع الجديد من الهجمات، بدأ المجتمع العلمي والأمني بالفعل في البحث والتطوير لـ'تشفير ما بعد الكم'. هذا النوع من التشفير مصمم ليقاوم الهجمات المحتملة للحواسيب الكمومية. لكن حتى الآن، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه تطوير خوارزميات فعالة وآمنة للمستقبل. بالإضافة لذلك، ثمة حاجة ملحة للتوعية العامة حول المخاطر الجديدة المرتبطة بالحوسبة الكمومية وتوجيه الجهود نحو تطبيق أفضل ممارسات الأمان حالياً لحماية بياناتنا قبل ظهور خطر الحوسبة الكمومية بشكل كامل.
الخاتمة
في النهاية، تقدم لنا الحوسبة الكمومية فرصا هائلة ولكن أيضا تهديدا خطيرا للأمن السيبراني. إن الاستجابة لهذه التحديات ستكون جزءا أساسيا من هندسة المستقبل الرقمي. يتطلب الأمر تعاوناً وثيقًا بين علماء الرياضيات، المهندسين، خبراء الأمن السيبراني، والقائمين على صنع السياسات لبناء عالم رقمي أكثر أمانا في ظل الطفرة التالية للذكاء الاصطناعي والحوسبة الذكية.