• صاحب المنشور: عبدالناصر البصري
  
  ملخص النقاش:
  في العصر الحديث، شهدت المرأة العربية تحولات جذرية وغير مسبوقة فيما يتعلق بدورها المجتمعي والاقتصادي والسياسي. هذه التحولات ليست مجرد تطورات ثقافية واجتماعية؛ بل هي تعكس تغيرات عميقة في بنية النظام الاجتماعي التقليدي الذي كان يهيمن على حياة المرأة لقرون طويلة. سنتناول هنا بعض الأبعاد الرئيسية لهذه التغيرات وكيف أثرت على النساء العربيات في مختلف جوانب حياتهن.

التعليم كمحرك للتغيير

كان أحد أهم المحركات لهذه التغيرات هو الزيادة الكبيرة في معدلات الالتحاق بالتعليم بين الفتيات والشابات في العالم العربي. وفقاً لتقرير اليونسكو عام 2021، ارتفع عدد الفتيات اللاتي يتابعن التعليم الثانوي والعالي بشكل ملحوظ منذ التسعينيات، حيث وصل معدل الإناث المسجلين في الجامعات إلى حوالي 47% من الطلاب الجامعيين في عام 2020 مقارنة بحوالي 33% في عام 1995. هذا الارتفاع الكبير في الوصول إلى التعليم أعطى للمرأة فرص أكبر لإطلاق طاقاتها وقدراتها في مجالات كانت مغلقة أمامها سابقاً. فقد فتحت أبواب العمل والحياة العملية أمام العديد من النساء، مما أدى إلى زيادة مشاركتهن الاقتصادية وتمكينهن مالياً.

مشاركة المرأة في سوق العمل

شهدت سوق العمل العربي تغييراً كبيراً أيضاً، حيث زادت نسبة النساء العاملات بشكل كبير خلال العقود الأخيرة. فبحسب بيانات البنك الدولي لعام 2020، بلغ متوسط ​​معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة في البلدان ذات الدخل المرتفع عربيًا حوالي 28%. وعلى الرغم من وجود تفاوت جغرافي واسع داخل المنطقة، فإن هذه الأرقام تشكل خطوة كبيرة للأمام بالنظر إلى الوضع السابق عندما كانت غالبية النساء محرومات تقليديا من الفرص الوظيفية خارج المنزل. إلا أنه رغم تقدم بعض الدول العربية مثل الإمارات والبحرين التي لديها نسب عالية نسبيه لمشاركة المرأة في سوق العمل تصل لنسبة تتجاوز 60٪ ، تبقى هناك تحديات غير قليلة تواجه المرأة عند دخولها لسوق العمل، بدءا بتفشي العنصرية الجندرية واستمرار عدم المساواة في الأجر مقابل المهارات والمهام المشابهة حتى بعد تحقيق تكافؤ الفرص ومستويات تعليم مماثلهبين الرجال والنساء . كما ان افتقاد سياسات موحدة لدعم ورعاية الأطفال يضع عبئ اضافي وتحديات جديدة امام الامهاتالعاملات خاصة وان واحداً من كل ثلاث اطفال بالعالم العربي يعيش تحت خط الفقر حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف .

السياسة والقانون: توسيع دائرة النفوذ

لم تعد دور المرأة السياسي حكراًعلى المجال الخيري أو الخدمي، فالانتخابات الرئاسية المصرية وانتخاب سهير الأتاسي نائبا لرئيس الجمهورية اللبنانية هما أمثلتين واضحتين على ذلك. لكن رغم تلك الخطوات التاريخية نحو تمثيل سياسي أكثر شمولا،تبقى الحصة المؤثرة فعليا لصالح الرجل تفوق بعشر مرات علي نظيره الانثوي وبشكل خاص اما مواقع صنع القرار الحكومية وغير الحكومية وهذا ينطبق أيضا على مستوى الشركات الخاصة حيث يشغل الذكور معظم المقاعد التنفيذيه كرؤساء تنفيذيين ومدراء عامين وعضوية مجلس إدارة للشركات بقيمة مليار دولار أمريكي وذلك طبقاً للإحصائيات العالمية لعام ٢٠٢١ صادرة عن مؤسسة فوربس الأمريكية الشهيرة .

إن هذه التغييرات الاجتماعية والثقافية الهائلة لها آثار متعددة الطبقات، منها تأثيرات مباشرة على الأسرة والمجتمع وكذلك علاقات القوى العامة. إن فهم ديناميكيات هذه الانتقالات يمكن أن يساعد في توجيه السياسات والاستراتيجيات المستقبلية بطريقة تضمن مستوياً أفضل من الإنصاف والكفاءة لكل أفراد المجتمع دون تمييز بناءاعلى أساس جنسه .