التعاطف مع الجلاد ينشأ مع ظنِّك بأن وازعه الأخلاقي يدفعه لتعويضك عن ما أحاقه بك من ظلم، ولذلك تنشأ هذه الارتباطات السامَّة والخطرة، من هذا الوهم، أن الجلاد قريب منك لأنه يعوضك، بينما هو في الحقيقة يعزز أسباب سلامته، ويخفي جريمته، ويضمنُ ويدرس ويتقي ردة فعلك، أو ثورتك ضده.
للجلاد ذكاء حاد في فهم الضعفاء، وفي السيطرة عليهم، ويتطور وعيه مع تطور وعي ضحاياه، فلعبة الإيهام كلها تدور حول إخفاء نزعته الجرمية، فهو أخطأ وأذاك لأن ظروفه دفعته لذلك، دائما لديه عذر، وسيطرته عليك جزء من حمايته لنفسه، سيبالغ في قربه منك ليحمي نفسه فقط، وليضمن سلامته.
في حالة الجرائم المروَّعة مثل اختطاف امرأة لعشر سنوات وسجنها في قبو، دراسةُ الجلادين من هذا النوع واضحة وسهلة وتميل للأدب والسرد أكثر من العِلم. أما في حالة الجرائم الصغيرة، والأذى والكيد الشخصي، والحسد، والانتقام، الجلاد قد يكون مديرك في العمل الذي هدم مستقبلك لأنه يكره قبيلتك.
الجلاد مجرم يعلم ويعي الذي يفعله، منهزم أمام فكرة أنَّه يؤذي الضعفاء فقط، فهو جبان، وكذوب، ومراوغ، ولا يواجه، وقد لا تجد له أعداء مطلقا، بل وربما لا تسمعه يتحدث بالسوء عن شخص، أما أمامك كون ضحيته فهو أقوى من الحياة، وأكبر، وقادر على الشر والجنون، ويهدد، ويتربص بردة فعلك بحدة.
مع تراكم جرائم الجلاد وأذاه على حياتك تكتشف أنك في أزمة، لكنه استبقَ كل ذلك قبلك بوقت طويل. ستعيش قتالين في وقت واحد، مع نفسك التي تريد تقويمها لكي لا تتقبل المزيد مع الأذى، ومع هذا الجلاد الجاهز للبطش بك بكل ما ادخره تجاهك من وسائل حماية، تحميه منك، وتضمن له تكرار جنونه مع غيرك.