- صاحب المنشور: عبد الهادي القفصي
ملخص النقاش:
في عالم اليوم الذي تتسارع فيه وتيرة التغيير بسبب الثورة الرقمية، تواجه المجتمعات العربية تحديًا كبيرًا تتمثل في كيفية الحفاظ على تراثها الثقافي الغني مع الاستفادة من الفرص التي توفرها التقنيات الحديثة. هذا الجدل ليس فقط حول حفظ الماضي ولكن أيضًا عن كيف يمكن لهذا الماضي أن يشكل مستقبلنا بطرق ذات معنى ذاتي وثقافي.
من ناحية، يوفر التحول الرقمي فرصاً هائلة للترويج والتواصل والتفاعل مع التراث الثقافي غير المادي مثل الموسيقى والأدب والفنون الشعبية. من خلال المنصات الرقمية، يمكن للقصائد والشعر والحكايا القديمة الوصول إلى جمهور أكبر بكثير مما كان ممكنًا سابقًا. هذه الأدوات الرقمية تعزز الفهم العميق لهذه العناصر الثقافية وتمكن من خلق جسر بين الأجيال المختلفة وتعزيز الشعور بالانتماء للحضارة العربية.
ومع ذلك، فإن الجانب الآخر من العملة يحمل مخاوف مشروعة بشأن فقدان هويتنا الثقافية والفنية الأصيلة وسط موجة المعلومات الهادرة عبر الإنترنت. قد يؤدي الاعتماد الزائد على الوسائل الرقمية إلى تحويل التركيز بعيدًا عن الأشكال التقليدية لتلقّي وفهم الفن والثقافات المحلية. بالإضافة لذلك، هناك خطر محو الهوية الثقافية إذا لم يتم التعامل بحذر عند نقل أو عرض المحتوى التاريخي والعادات الاجتماعية على شبكة الإنترنت العالمية حيث غالبًا ما يغلب عليها الطابع التجاري.
لتخفيف هذه المخاطر، يتعين علينا وضع سياسات حكيمة تسعى لتحقيق التوازن الصحيح بين المشروعين. ينبغي دعم التعليم الرقمي بينما نضمن أيضاً بقاء المؤسسات التقليدية المتعلقة بالتراث الثقافي حيّة وقادرة على المنافسة. إن دمج جوانب التربية التقليدية ضمن البرامج الدراسية الرقمية سيؤدي دوره الكبير في ضمان انتقال معرفتنا الثقافية لعصور المستقبل باعتبارها جزءا أساسيا من هويتهم.
وفي نهاية المطاف، فإن الهدف الأساسي يكمن في تحقيق "الثراء الثقافي" الذي يعمل كمحرك رئيسي لإعادة تعريف الذات الوطنية والإقليمية والمجتمعية. ومن ثم، يمكننا القول بأن الهدف النهائي هنا هو استخدام التحول الرقمي كنقطة انطلاق نحو فهم عميق ومتطور لما يعنيه أن تكون عربيًا - وهو هدف يستحق الدفاع عنه بكل قوتنا وبكل وسائل متاحة لنا.