ذكريات…
قبل أكثر من نصف قرن جاءت الإجازة الصيفية فقرر الوالد يرحمه الله ان نقضيها في الهدا لقربه من مكان عمله.
وصلنا للهدا بقضنا وقضيضنا واستأجرنا غرفتين للنساء والأطفال في حارة "الغشامرة" الواقعة تحت سفح الجبل المطل على طريق كرا من جهة وعلى سهل الهدا من الجهة الاخرى.
١-٨
اما الرجال والفتيان فقد نصبوا خيمة في الجوار؛ الكهرباء فكانت بمولد يشغل لمدة ساعتين فقط حتى نصلي العشاء ثم ننام.
تسلقنا الجبل وتسلقنا اشجار التوت وقطفنا البرشومي (التين الشوكي) حتى اصبنا بالإمساك اعزكم الله.
بدأ الملل يتسرب الى نفوسنا فمن تعود على حياة المدن يشق عليه ملل الريف.
٢
حاولنا اشغال وقتنا بلعب الورق والكيرم والضومنة والالعاب الجماعيه؛ ولعب الكرة عصراً؛ ومع ذلك بقي لدينا فائضًا من الوقت.
وذات يوم بعد العصر مر بجوار خيمتنا رجل كبير يتكيء على عصا ويبدو انه كان مصابًا بالملل مثلنا فسلم وعزمناه على القهوة فوافق بعد تردد ومن هنا توثقت العلاقة.
٣
عرفنا بنفسه (ابو مطر من قبيلة عتيبة العريقة) وعرفناه بأنفسنا؛ لاحظنا بأنه ارشيف متحرك لمعلومات كنا نجهلها حول تاريخ القبيلة وفخوذها ووقائعها واحداثها؛ قص علينا قصص حول الشهامة والنخوة والشجاعة وكان يختمها بلازمة "ابك انا عتابة شرابة الدم".
كان ابو مطر مميزًا في الالقاء والتعبير.٤
ذكرنا رحمه الله -حياً او ميتًا- بقصص تشابه ما كنا نسمعه من شيبان جماعتنا؛ وبالمناسبة لم تكن مهارات الالقاء والتعبير تتوفر لدى الجميع؛ فمن يقدم التقرير "العلم"عن رحلته بمثابة مراسل قناة إخبارية اليوم او كاتب ثريد في تويتر، تكررت الحكايات وعاد الملل للتسرب الى نفوسنا فغادرنا الهدا.