بمناسبة هذا الخبر الذي نشر بتاريخ اليوم 8 يناير 2025
كتب حازم عمدة يوسف بتاريخ 4 يناير 2025:
هناك إجماع شبه عام من عشرات الدول على تحجيم و تقنين و السيطرة على عودة السوريين اللاجئين لسوريا، فأكثر من ١٧ دولة الآن يوجد بها آلاف السوريين تم منعهم من ركوب طائرات لتعود بهم لتركيا لينتقلوا لبلدهم، مئات السوريين ممنوعين من السفر منعوا من ركوب طائرات حجزوا بأنفسهم تذاكر سفرهم.
هنا لا أتحدث عن دول عربية فقط، بل أندونيسيا و ماليزيا و حتى موريتانيا و جنوب أفريقيا منعوا عوائل سورية من ركوب طائرات مُتجه لتركيا حتى لا يعودوا لسوريا.
منذ أيام منع ثلاث أسر سورية من ركوب طائرة بساحل العاج، بعد دفعهم غرامات تأخر الإقامة و محاولتهم الخروج من البلد.
قبل انهيار النظام النصيرى قال صديق سورى لى انه تم ترحيل أبناء أخته من دولة أوروبية فى محاولة هجرة غير شرعية (لا أعلم من الغبى صاحب هذه الفكرة) إلى أوروبا ليتم ترحيلهم لدولة ما، ليظلوا فيها عالقين و هم ٣ أطفال تحت ال ١٥ سنة، (استشهد أبيهم بسوريا و توفيت أمهم بتركيا)، و الآن بعد محاولات ترحيلهم من هذه الدولة فجأة تمنع هذه الدولة ترحيلهم بعد أن كانت على وشك ترحيلهم لتركيا لخالهم قبل سقوط النظام.
منذ أقل من أسبوع منعت رومانيا و بلغاريا أسراً سورية من ركوب طائرات و مغادرة البلاد.
حتى دول أوروبا التى كانت تُنادى بترحيل السوريين فجأة خفت صوتها بشكل مُخيف باستثناء تصريحات غبية تقول أنها ستعطيهم أمولاً للعودة و ترك أوروبا ليتضح بعضها أنها من مسؤولين يمينين أغبياء لا يؤخذ على كلامهم بالمرة و أنها تصريحات تافهة و وعود باطلة.
محافظات ألمانيا التى نادت بترحيل السوريين ترفض الآن حتى منح عُطل و إذونات سفر للسوريين اللاجئين للعودة لبلادهم.
حتى السوريين فى تركيا الآن لا يمكنهم العودة و لا يمكن ترحيلهم بسهولة أو عودتهم بسهولة خصوصاً مع القوانين الجديدة، بل هناك تسهيلات لهم فى الإقامة و تقنين لعودتهم لسوريا بعد ٨ أيام فقط من انهيار النظام النصيري، يعنى من لحق فى أول ٧ أيام من انهيار النظام فقد عاد، أما من ظل فيحتاج لإذونات و تصريحات حتى يستطيع العودة.
هناك أوامر عُليا و مُباشرة بتحجيم و تقنين عودة السوريين لبلادهم لأسباب استراتيجية.
صاحب المقال لم يذكر الأسباب الاستراتيجية لتعطيل عودة السوريين إلى بلادهم بعد سقوط بشار الأسد ومن وجهة نظري هناك عدة أسباب لهذا الأمر وهي:
? أولاً: استمرار تفريغ سوريا من سكانها
منذ سنوات، تسعى القوى الإقليمية والدولية إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في سوريا، وقد بدأ هذا المخطط في عهد نظام بشار الأسد عبر استقدام الميليشيات الشيعية إلى مناطق استراتيجية، أبرزها دمشق وحمص وحلب.
في المقابل، فتحت الدول الأوروبية أبوابها للاجئين السوريين وغالبيتهم من المكون السني (العمود الفقري للثورة)، في خطوة بدت وكأنها تجاهل مقصود للمجازر التي ارتكبها النظام السوري ومساهمة في تنفيذ مخطط التهجير.
لقد استُخدمت قضية اللاجئين كأداة سياسية من قِبَل عدة أطراف دولية، وكان بالإمكان حل هذه المشكلة عبر ممارسة ضغوط دولية حقيقية على بشار الأسد لمنع هذا التغيير الديموغرافي وبقاء السوريين في بلادهم، إلا أن القوى الدولية أسهمت بشكل غير مباشر في تنفيذ هذا المخطط.
أكبر دليل على هذه النوايا هو التركيز الغربي على حماية الأقليات في أي نقاش سياسي حول مستقبل سوريا، في حين يتم تجاهل معاناة الأغلبية السنية، مما يعزز المخاوف من سعي الغرب إلى تقويض حكم الأغلبية بحجة حماية الأقليات.
انتصار الثورة وعودة السوريين سوف يقضي على هذا المخطط الخبيث.
? ثانياً: منع قيام دولة سورية قوية ومستقلة
التاريخ يشهد أن سوريا كانت دائماً محوراً في السياسة العربية والإسلامية، ما يجعل الدول الكبرى تتخوف من تحولها إلى قوة إقليمية مؤثرة بعد سقوط النظام الحالي.
عودة ملايين السوريين من الشتات سيعزز من قوة الدولة الجديدة، ويجعلها أقل عرضة للتأثيرات الخارجية، وهو ما يتعارض مع مصالح قوى غربية وإقليمية لا تريد لسوريا أن تكون قوية ومستقلة.
وبقاء ملايين السوريين في الخارج يعني أن الكتلة السكانية التي ستتحكم بقرارات سوريا الجديدة ستتألف من طوائف متعددة في غياب واضح للأغلبية السنية التي تعيش في الغرب، مما يضمن بقاء التأثير الغربي على القرارات السياسية في البلاد.
? ثالثاً: إبقاء ورقة اللاجئين وسيلة ضغط سياسي
بعد أن كانت ورقة اللاجئين السوريين وسيلة ابتزاز بين بعض الدول، الآن قد تتحول إلى وسيلة ضغط ومساومة تستخدمها الدول المستضيفة للسوريين للتأثير على أي حكومة جديدة في سوريا.
الآن يتم الترويج لفكرة أن اللاجئين الذين سيعودون إلى سوريا سيواجهون مستقبلاً غامضاً وخطراً أمنياً.
هذا التخويف يتم عبر قنوات إعلامية، حيث نُشرت مؤخراً مقاطع فيديو تؤكد أن السوري الذي يعود لن يتمكن من مغادرة البلاد مجدداً، وسيجد نفسه تحت قبضة قوات أجنبية أو ميليشيات محلية.
إضافة إلى ذلك، تنتشر الشائعات حول تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا، مما يعزز مخاوف السوريين ويثنيهم عن اتخاذ قرار العودة.
? رابعاً: تخوف الدول الغربية من تحول سوريا إلى نموذج إسلامي ناجح
انتصار الثورة السورية وعودة اللاجئين قد يؤدي إلى قيام نظام إسلامي معتدل وناجح في سوريا، وهو ما تخشاه الدول الغربية. إذ أن نجاح هذا النموذج قد يشكل مصدر إلهام لبقية الشعوب العربية والإسلامية ويهدد استقرار الأنظمة الدكتاتورية الحليفة للغرب في المنطقة.
الغرب يدرك أن السوريين العائدين من المهجر قد يشكلون قوة دافعة للتغيير السياسي والفكري، وهو ما يُنظر إليه كتهديد للنظام العالمي الحالي الذي يفضل بقاء الأنظمة الضعيفة والمستبدة.
⚫ خامساً: الحفاظ على مصالح إسرائيل وأمنها
لا يمكن تجاهل البُعد الإسرائيلي في هذا الملف. عودة اللاجئين السوريين ستعني تقوية الكتلة السكانية السنية المعادية لإسرائيل، مما قد يشكل تهديداً مستقبلياً لبقاء الكيان الصهيوني.
إسرائيل والقوى الداعمة لها ترى أن إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة هو الضمان الوحيد لحماية أمنها على المدى الطويل. لذلك، فإن أي خطوات لإعادة إعمار سوريا أو إعادة اللاجئين يُنظر إليها بعين الشك والرفض.
? سادساً: مصالح اقتصادية عبر منع الاستثمارات
إعادة إعمار سوريا بعد الثورة يتطلب استثمارات ضخمة، وعودة السوريين تعني توفير القوة المادية والبشرية اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
لكن الدول الغربية لا ترغب في سحب الأموال والاستثمارات من بنوكها وأسواقها وضخها في الاقتصاد السوري.
هناك خشية من أن ينتعش الاقتصاد السوري الجديد بفضل هذه الاستثمارات، مما سيؤدي إلى تقوية الحكومة الجديدة وتثبيت شرعيتها، وهو ما لا يخدم مصالح أعداء الثورة.
? سابعاً: منع تشكل جيل جديد واعٍ ومتعلم في الداخل السوري
السوريون في المهجر اكتسبوا خبرات وتعليماً في الخارج، وعودتهم إلى سوريا قد تؤدي إلى نهضة علمية وفكرية تقود البلاد نحو نظام حكم أكثر عدلاً وكفاءة.
الدول الكبرى تدرك أن هذا الجيل الجديد قد يُحدث نقلة نوعية في المجتمع السوري، لذلك فإن إبقاءهم في الخارج يضمن استمرار حالة الركود الفكري والسياسي في الداخل السوري.
باختصار: السياسات الحالية التي تعطل عودة السوريين إلى بلادهم بعد سقوط النظام النصيري تهدف بشكل أساسي إلى التأثير على مرحلة ما بعد الثورة.
لكن هذه السياسات قد تتحول إلى استراتيجية دائمة إذا لم تتحرك الحكومة السورية الجديدة بحكمة لتشجيع السوريين على العودة.
وهذه بعض المقترحات للحكومة السورية الجديدة من أجل التصدي لهذا المخطط الخبيث:
1- تقديم ضمانات أمنية كافية للعائدين والرد على الشائعات التي تثير مخاوفهم.
2- تقديم تسهيلات هائلة للاستثمار في جميع القطاعات وخصوصًا العقارات وهذا يتطلب إصدار قوانين تنظم عملية الاستثمار.
3- التركيز على إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة وتوفير الخدمات الأساسية وهذا قد يسهل قرار العودة عليهم ويشجع المستثمرين على ضخ أموالهم في البلاد.
4- دعم المشاريع الاقتصادية وتقديم التسهيلات لها والتي تخلق فرص عمل للسوريين العائدين.
5- التركيز على الجانب الإعلامي في ترغيب السوريين للعودة إلى بلاهم وإظهار الجانب الإيجابي في البلاد.
في الختام، يتوجب على السوريين في الخارج التحرك سياسياً وإعلامياً للضغط على الدول المضيفة، والعمل على تحقيق عودتهم الطوعية إلى بلادهم بما يحفظ كرامتهم وحقوقهم وإذا استمرت هذه الأوضاع فهناك وسائل أخرى للعودة.
السوري الذي قطع البحر للسفر إلى أوروبا لن يعدم وسيلة للعودة في ظل هذه الأوضاع المبشرة بالخير.
والله أعلم