من الممارسات التي بدأت في الانتشار مؤخراً وأظنها تعوّد الدماغ على الكسل الذهني هو إزاحة دور الذاكرة عن الحياة اليومية قدر المستطاع، فبعد إزاحة الذاكرة البصرية، بدأ البعض يزيح مهمة الذاكرة الشفهية في حفظ الكلام وتسميعه، والاكتفاء بتمرير النصوص عبر التحدث، دون أي مجهود في التذكر.
من الأمثلة لهذا أن يتعود الشخص على قراءة القصة من مصدرها دون محاولة إلقائها من ذاكرته، أو قراءة تغريدة من حسابها مباشرة دون محاولة التذكر و تسميع ما رسخ منها، حتى أصبح الناس لا يحاولون تذكر نص أو تغريدة، بل يلجؤون لتصوير ذلك أو استعادته من مصدره الأصلي لقراءته حرفياً.
إذا تأملنا في هذا السلوك، سنجد أنه ليس سلوكاً جديداً تماماً، فالناس يفعلون ذلك منذ زمن بعيد، يقيمون فعاليات لنقل ما في كتب الأدب كنوع من تدوير الحكاية أو القصيدة أو الاقتباسات المميزة، لكن الناس في نقل حواراتهم اليومية لا يلجؤون عادةً لمثل تلك الوسيلة.
ما يحدث مؤخراً أن الناس بدؤوا يغلّبون الاقتباس على الذاكرة في سائر النصوص اليومية، يمارسون استعارة كاملة مستمرة تزيح قدرات التذكر بشكل غير مسبوق، وقد يكون لانتشار وسائل تسهّل حيازة النص وأدوات نقله -بين أصابعنا- دور في هذا التحول الذهني.
ينعكس ذلك أيضاً في ظاهرة تبادل الحوار باستخدام صور تحمل بعض كلماتنا، وأنا هنا لا أتحدث عن تصميم فني يحمل بعض العبارات المميزة، أو رسوم تعبيرية متحركة تعبر عن مشاعرنا غير المحكية، بل أتحدث عن شخصين -أو أكثر- يتبادلان الحوار عبر صور تحمل جزءًا من كلمات قيلت في المحادثة نفسها!