- صاحب المنشور: أواس الزاكي
ملخص النقاش:
لقد برزت قضية تغير المناخ كواحدة من أهم التحديات العالمية المعاصرة التي تؤثر بشدة على مختلف جوانب الحياة البشرية. ومن بين هذه الجوانب الحيوية، يعتبر الأمن الغذائي أحد أكثر القطاعات عرضة لهذه التأثيرات بسبب خلفيته الهشة التي تتسبب بها عوامل متعددة مثل الاحترار العالمي والجفاف والظروف البيئية القاسية الأخرى. وفي هذا السياق، ستركز الدراسة الحالية على الآثار الاقتصادية والبيئية لطول فترة جفاف حدث مؤخرًا في منطقة الشرق الأوسط كدليل عملي للتأثير المحتمل لتغير المناخ على الأمن الغذائي عالمياً.
I. مقدمة
يمثل قطاع الزراعة العمود الفقري للاقتصاد العالمي حيث يساهم بحوالي ثلث الاقتصاد المحلي للدول المختلفة وفقاً للأمم المتحدة. وفي الوقت الذي تعتبر فيه إنتاجية الدول من الغذاء عاملا حاسما لسلامتها الغذائية واستقرارها السياسي وأمنها الوطني، فإن دول غرب آسيا -والشرق الأوسط تحديداً- معرضة بصورة خاصة للآثار الضارة الناجمة عما يسمى "الطاقة الحرارية". وتعني الأخيرة ارتفاع درجات الحرارة مما يتسبب بجفاف التربة وانحسار المياه وبالتالي تقليل الإنتاج الزراعي. ويؤدي انخفاض الكفاءة الانتاجية بدوره لانخفاض الدخل القومي وخفض معدلات الوفرة الغذائية بالإضافة إلى زيادة تكاليف استيراد المواد الأساسية والعلف الحيواني والأسمدة وغيرها. وقد أدى الوضع السابق ذكره بالفعل خلال الفترة الأخيرة لحالات قصوى من الندرة الغذائية والتي وصلت لدرجة حدوث مشاكل اجتماعية خطيرة كانت لها تداعيات سياسية كبيرة أيضًا. لذلك يستعرض الباحث هنا التأثير المتوقع لجفاف طويل المدى جربناه قبل سنوات قليلة وهو جفاف نهر الفرات وجفاف نهر دجلة في العراق وسوريا وليبيا ومصر. وكانت نتائجه كارثية إذ تقلص مساحة الأرض الصالحة للزراعة وزادت تكلفة كمية مياه الري بنسبة بلغت حوالي 37%. كما ارتفع سعر الخضروات والفواكه الرئيسية بنسب متفاوتة تراوحت بین4% و 82٪ بينما زاد الرغيف السوري مثلاً بمقادیر záříزیہ نحو %163 . وتم رصد انكماش ملحوظ لنسبة الاستثمار في مجال الزراعة داخل المنطقة وكذلك تراجع عدد العاملين بهذه المهنة التقليدية مقارنة مع بداية الأمر. إن هذه الحالة مثال حي لكيف يمكن لموجة جفاف واحدة بسيطة نسبياً أن تحدث اضطراباً واسعَاَ ثم تمهد الطريق أمام انتهاكات حقوق الإنسان فيما يعرف بالطوارئ المائية أو المجاعة السياسية.
وبناء عليه يقترح العديد من خبراء علوم الأرض الآن تشكيل تحالف دولي قوي ومتعدد المناطق يتضمن مشاركة الحكومات والممولین والشركات الرئیسیة وشركاء التنمیة الآخرین بهدف تعزيز المرونة المجتمعية ضد الظواهر الطبيعة المفاجئة وتحسين القدرة علي التعافي منها بدون خسائر بشرية مادية وفكرية عظيمة مستقبلاً. ولا شك أنه بات امراً مهماً وضع السياسات والاستراتيجيات طويلة الامد ذات الجدوى الواقعية والمعتمدة علی علم واتفاق متبادل للحفاظ علية وعلى امن غذائینا العربی المشترك بالأخص. وهذک الموضوع حیوي لكل سكان الكرة الأرضية اليوم ولكنه یستحق التركيز عليه خاصتا بالنسبة لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط لما تتمتع به تلك الدولة من طبيعة جغرافية فريدة تسمح بانفتاحها وثرائهھا الثقافیا والتجارية والحضرية سابقا ولكنها قد تصبح مهددة بعدم اليقين المستقبلية إذا ما تركت الأمور تسير بلا قرار واضح وصريح بشأن تهد